طلاب قسم الفلسفة في جامعة دمشق بين مطرقة الفقر وسندان الظلم الأكاديمي
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الجامعة مكاناً لصقل العقول وبناء المستقبل، يتحول قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق إلى حلبة تُسحق فيها طموحات الطلاب تحت أقدام الظلم والإهمال.
لا تغيير حقيقي بعد سقوط سلطة الأسد، ولا تحسن يُذكر في البيئة التعليمية، بل بقيت الحال على ما هي عليه بحسب بعض الطلاب: نجاح محدود- ظلم متراكم- ومستقبل يُهدد بالضياع.
الواقع الاقتصادي والمعيشي... الطلاب تحت خط الاحتمال
أغلب طلاب وطالبات هذا القسم يدرسون ويعملون في آنٍ معاً.
فالبعض يعمل لساعات طويلة في وظائف مرهقة، فقط ليتمكن من شراء الكتب أو دفع أجور المواصلات، في ظل انهيار اقتصادي خانق، فلا كهرباء مستقرة، ولا دعم حقيقي، ولا حتى مكان هادئ للدراسة، ويُنتظر من هؤلاء أن ينجحوا في امتحانات تعجيزية وضِعت بلا مبالاة، ويُحاسبون بعلامات مجحفة لا تعترف بالجهد ولا تعبأ بالواقع.
نسب نجاح صادمة... أرقام تفضح الحقيقة
دعونا لا نتحدث عن الظلم كمفهوم نظري، بل بلغة الأرقام التي لا تكذب من واقع بعض نتائج امتحانات الفصل الأول للعام الدراسي الحالي:
اللغة الأجنبية 2 (سنة أولى): عدد المتقدمين 179، الناجحون 8 فقط! نسبة النجاح 4,47%.
تاريخ الفكر الجمالي (سنة ثانية): المتقدمون 35، الناجحون 4، بنسبة نجاح 11,43%.
المذاهب الفلسفية (سنة أولى): من 78 طالباً وطالبة من المتقدمين، لم ينجُ سوى 13 فقط!
التفكير الفلسفي في الشرق: كانت نسبة النجاح 14,63%.
وحتى في مواد يفترض أن تكون أكثر واقعية، مثل المنطق التقليدي، لم تتجاوز نسبة النجاح 35,9%.
هل هذه أرقام تعكس مستوى الطلاب؟ أم إنها مؤشر على وجود خلل في طريقة إعداد الامتحانات- سلالم التصحيح- وأسلوب التقييم؟
علامات الظلم ما بين 45 و49
الطلاب الذين يحصلون على 45 أو 46 أو حتى 49، يُعتبرون راسبين، علامة واحدة فقط كانت لتغير مستقبلهم، لكن هذا «التفصيل» لا يحظى باهتمام من يصحح أو يقرر مصيرهم.
فهل يُعقل أن يُهدر مجهود عام دراسي كامل على علامة؟ هذا ليس نظاماً تعليمياً، بل ساحة لتدمير الثقة والروح.
الفساد وجه خفي للفشل الأكاديمي
الفساد لا يُعلن عن نفسه، لكنه يُشتمّ من تعامل الموظف، ومن القرارات الظالمة، ومن الإصرار على عدم الشفافية.
فما يجري في قسم الفلسفة، بحسب بعض الطلاب، لا يتوقف عند أساليب التصحيح أو طبيعة الأسئلة، بل يمتد ليطال فساداً متفشياً في مفاصل الكلية، من بعض الدكاترة الذين يتعاملون مع الطلاب باستعلاء واستهزاء، إلى موظفين في قسم الامتحانات يمارسون سلطتهم بمزاجية وابتزاز (طلاب يُمنعون من الاعتراض، أو تُهمل طلباتهم، أو يواجهون مماطلة ممنهجة في معالجة شكاواهم)، وهناك من يتحدث عن محاباة في التصحيح، وعن إسقاط متعمد لبعض الأسماء «غير المرغوب بها».
ليست الفلسفة وحدها... المشكلة أوسع من قسم... وأعمق من جامعة
المعاناة التي يعيشها طلاب قسم الفلسفة ليست استثناءً، بل انعكاس لمشكلة عامة تطال معظم الكليات في جامعة دمشق، بل وفي سائر الجامعات السورية، من الطب إلى الهندسة، ومن الحقوق إلى الآداب.
الطلاب يواجهون التحديات ذاتها: قاعات متهالكة- نقص في الكادر- ضعف في المادة العلمية- فساد في الإدارة- ظلم في التصحيح- وضغط معيشي واقتصادي يُنهك الجميع.
فكل طالب في هذا البلد يحفظ القصة ذاتها: «درست... تعبت... ورسبت بلا سب».
إنها صرخة كل طالب وطالبة جامعية في سورية: نحن لا نطلب امتيازاً، بل إنصافاً، ولا نريد معجزة، بل حقنا في تعليم عادل يحترم كرامتنا وأحلامنا.
الإصلاح ضرورة لا خيار
على الوزارة أن تفي بوعودها:
أتمتة المواد القابلة للأتمتة.
إعلان سلالم التصحيح بشفافية.
فتح باب الاعتراض مع إعادة التصحيح وليس تجميع العلامات فقط.
إلغاء الآليات التي كانت تفرض نسب نجاح مسقوفة، وترك الأمر فعلاً لسبر إمكانات الطالب العلمية الحقيقية.
فالجامعة لا يجب أن تكون ساحة استنزاف نفسي ومادي، والطالب ليس عدواً يُجرّب عليه القمع، بل شريكاً في بناء المستقبل، والمستقبل لا يُبنى بالفشل الممنهج.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1228