جرمانا ... أزمة تولّد أزمات

جرمانا ... أزمة تولّد أزمات

لا يخفى على أحد ما تعانيه مدينة مكتظة سكانياً وضعيفة الخدمات مثل جرمانا من أزمات، ولا سيما الاختناق المروري وتراكم القمامة.

فمثلاً تشكّل الازدحامات المرورية تحدياً متنامياً في جرمانا، تؤثر سلباً على جودة الحياة، وكفاءة النقل وحتى البيئة.
ونظراً إلى أن المقاربات التقليدية غالباً ما ترتبط بتكاليف باهظة ومشاريع بنى تحتية طويلة الأجل، تبرز الحاجة لتبني استراتيجيات مبتكرة ومنخفضة التكلفة.

وفي هذا السياق، يمكن أن تستفيد وسائل المواصلات من شبكة الطرق الفرعية، وتحسين جودتها، فهي في غالبها تعاني من الإهمال وانتشار الحُفَر، وانعدام الإضاءة الليلية ما يقلل الأمان ويثبط الرغبة في استخدامها، وذلك عبر التوجيه الفعال، حيث يمكن الاستعاضة بحلول مبدئية مثل شرطة المرور التقليدية لتقديم الإرشادات في النقاط الحيوية، وصولاً إلى توفير لافتات وشاخصات إرشادية واضحة، مع الأخذ بعين الاعتبار منع التحويل العشوائي وغير المدروس، الذي قد يؤدي إلى ازدحام في الطرق الفرعية نفسها، ما يحولها إلى نقاط اختناق جديدة بدلاً من كونها حلولاً.

تعزيز النقل العام

يبرز توفير منظومة لدخول النقل العام إلى الأحياء الداخلية والشوارع الفرعية حلاً يختصر الوقت ويساهم في تخفيف الازدحام في الشارع الرئيسي.

إن تحديد مسارات ثابتة للسرافيس وتقليل توقفها العشوائي وتحديد محطات محددة لوقوفها هي إجراءات من شأنها رفع الكفاءة، فالالتزام بمواقف وجداول زمنية محددة لا يزيد من سرعة النقل ويقلل من زمن الرحلة الإجمالي فقط، بل سيساهم في تنظيم المرور وتقليل الفوضى في الطرق، بالإضافة إلى تعزيز الثقة في نظام النقل العام.

وفي سياق متصل، تُعد إدارة حركة الشاحنات الكبيرة ضمن الطرق الفرعية وكذلك الرئيسية حلاً تنظيمياً آخر. فتقييد دخولها خلال ساعات محددة، بالأخص في فترة الذروة، نظراً لحجمها الكبير وسرعتها الأقل نسبياً، يساهم في تخفيف الضغط وتحسين انسيابية الحركة المرورية.

القمامة وعجز البلدية

تعاني بلدية جرمانا من تحديات متجذرة، على رأسها نقص في سيارات وآليات ترحيل القمامة ومستلزمات ترحيلها، بالإضافة إلى قِدمها وضرورات صيانتها المستمرة، وتتفاقم هذه المشكلة مع تكرر ذريعة نقص المشتقات النفطية أو عدم توفرها، ما يعطل سير العملية حتى عند توفر الآليات، بالإضافة إلى نقص الموارد وقلة الدعم المالي والفني اللازم لقيامها بمهامها وواجباتها المفترضة.

إنّ السعي نحو إسناد مسؤولية جمع ونقل القمامة لشركات خاصة في محاولة جليّة لخصخصة الخدمات العامة، يُنهك المواطن، ويحول البلديات إلى هياكل شكلية دون صلاحيات أو تمويل، وسيُفاقم بالتالي من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه السكان، حيث إن توفير خدمات عامة ذات جودة عالية ومتاحة للجميع ليس مجرد ضرورة اجتماعية، بل اقتصادية وبيئية أيضاً.

يبقى التساؤل قائماً حول متى سيتم وضع مسألة النظافة العامة على سلم الأولويات، ولتقطع بذلك الطريق على حيتان تجارة القمامة التي انتعشت خلال سنوات الأزمة بأدواتها، التي هي ضحاياها في الوقت نفسه، الأطفال والبيئة!

وهل يتعين علينا انتظار تفشي الأمراض وتحول أكوام القمامة إلى أزمة تهدد الاستقرار؟

إن الأزمة ليست اجتماعية وبيئية فحسب، بل هي نتاج نهج سياسي يُهمّش الفقراء وأحياءهم ومناطق سكنهم، ويعكس لا مبالاة واستهتاراً في الالتزام تجاه المواطن وحياته.

مشاركة مجتمعية لخدمات أكثر استدامة وشمولاً

إن إشراك المواطنين في تصميم وتنفيذ خطط تحسين النقل والخدمات عموماً يوفر رؤى قيّمة حول الاحتياجات والتحديات المحلية، لكون الأمر يمسّهم بشكل مباشر وهو جزء يومي من حياتهم.

ويمكن تفعيل هذه المشاركة عبر عقد ورش ومجموعات نقاش، وإجراء استطلاعات رأي، وتأسيس لجان استشارية تتبع للبلدية وتضم ممثلين عن مختلف فئات المجتمع، والاستفادة من خبرات ومعارف هيئات المجتمع الأهلي الموجودة، فالاستماع إلى تجارب الناس وملاحظاتهم يساهم في تعزيز نظام نقل عام يحترم ويلبي احتياجات المواطن.

وفي هذا السياق، يتعين الأخذ في الاعتبار أن الأزمات سلاسل تغذي بعضها، وكفاءة أنظمة النقل المرورية لا تنفصل عن تحديات ترحيل القمامة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227