جفاف سهل الغاب وغياب القمح... كارثة تهدد الأمن الغذائي

جفاف سهل الغاب وغياب القمح... كارثة تهدد الأمن الغذائي

تشهد الأراضي الزراعية الممتدة من مدينة حماة إلى منطقة السقيلبية واحدة من أسوأ المواسم الزراعية في تاريخها الحديث، في ظل موجة جفاف غير مسبوقة تسببت بغياب شبه كامل لمحصول القمح عن سهل الغاب، الذي كان يُعد حتى وقت قريب جزءاً من سلة الغذاء الاستراتيجية لسورية.

الواقع المؤلم بالأرقام

تُظهر المعطيات الميدانية بحسب بعض مزراعي وفلاحي المنطقة أن 80% تقريباً من أراضي سهول حماة الغربية، الممتدة من محردة إلى السقيلبية، لم تُزرع بالقمح هذا الموسم وما زرع منها أصبح علفاً حيث لم تكتمل دورة الإنبات بسبب الجفاف، في حين أن نسبة 20% فقط خضعت للزراعة معتمدةً على الري المكلف الذي لم يكن مجدياً اقتصادياً في كثير من الحالات.

فتكلفة زراعة الدونم الواحد وصلت إلى نحو 1,200,000 ليرة سورية من دون ري، وارتفعت إلى نحو 1,600,000 ليرة مع الري، في وقت تجاوزت فيه كلفة سقاية الدونم الواحد بين 100 إلى 150 ألف ليرة، ما جعل القمح محصولاً خاسراً لا يغطي نفقاته.

ورغم أن 40% من أراضي سهل الغاب تعتمد على السقاية، فإن شح المياه وغلاء المحروقات والموارد الزراعية جعل الري أمراً شبه مستحيل لكثير من المزارعين، ما دفعهم للعزوف عن زراعة القمح، حتى للتموين المنزلي، مثل الفريكة والبرغل، التي كانت تُعد من الأساسيات في منازل المنطقة، وأصبحت اليوم من المنسيات.

تحول خطير في نمط الزراعة

نتيجة هذا الواقع القاسي، اتجه العديد من المزارعين في المنطقة إلى زراعات بديلة أقل استهلاكاً للمياه مثل الفستق الحلبي وبذور الجبس وغيرها، في محاولة لتقليل الخسائر.

ورغم أن هذا التحول يبدو خياراً اقتصادياً منطقياً على المدى القصير، إلا أنه يحمل تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي الوطني، إذ يُهدد استمرار القمح كمحصول استراتيجي يمس حياة جميع المواطنين.

كارثة أمن غذائي في الأفق

ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة موسمية، بل هو كارثة أمن غذائي تتوسع آثارها يوماً بعد يوم.

فغياب القمح لا يعني غياب الخبز فقط، بل انهيار منظومة إنتاجية بأكملها، تُمثل فيها الزراعة مصدر رزق واستقرار لآلاف العائلات، ومصدراً للغذاء لملايين المواطنين.

واستمرار هذا النهج سيؤدي إلى اعتماد أكبر على الاستيراد، مع ما يحمله ذلك من استنزاف للموارد وشبه استحالة في ظل العقوبات والظروف الاقتصادية المتدهورة.

مقترحات ملحة للمستقبل

إن تدارك هذه الكارثة يفترض أن يبدأ من الآن، وليس بانتظار موسم جديد محفوف بالمخاطر.

وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى بعض الخطوات الضرورية ومنها:

  • إطلاق خطة طوارئ مائية وزراعية تشمل دعم مشاريع السدود الصغيرة والآبار، وتأمين وقود مخصص للزراعة بأسعار مدعومة.
  • تحفيز زراعة القمح عبر دعم مباشر للمزارعين يتجاوز الدعم الشكلي، ويتضمن تحمل جزء من تكاليف الإنتاج والري.
  • تنويع المحاصيل دون التفريط بمحاصيل الأمن الغذائي من خلال زراعة الأصناف المقاومة للجفاف والمبكرة في نضجها.
  • تطوير البحث الزراعي المحلي، والاستفادة من البحوث المعدة بهذا الشأن، لإيجاد حلول مبتكرة تناسب البيئة السورية وظروفها المناخية.
  • إعادة تنظيم دورة المحاصيل وضبطها بما يضمن التوازن بين الجدوى الاقتصادية والأمن الغذائي.

جرس إنذار

الزراعة ليست رفاهية، والقمح ليس مجرد منتج عادي، إنه عصب الحياة والاستقرار.

إن ما يحدث في سهل الغاب اليوم يجب أن يقرع جرس إنذار عاجل على كل المستويات، من الحكومة إلى المجتمع المحلي إلى المنظمات الدولية، لوضع خطة شاملة لتأمين الغذاء للأجيال القادمة قبل أن تتسع رقعة الجفاف ويدخل الوطن في نفق العجز الغذائي الكامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226