الاستثمار وإعادة الإعمار بين التحديات والفرص الوطنية

الاستثمار وإعادة الإعمار بين التحديات والفرص الوطنية

مع سقوط سلطة الأسد، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة ضخ الحياة في شرايين الاقتصاد الوطني، وإطلاق مشاريع تنموية شاملة تُنهي معاناة السوريين وتؤسس لمرحلة جديدة من البناء والاستقرار.

غير أن هذه المهمة الشاقة تصطدم بجملة من التحديات البنيوية والسياسية، على رأسها غياب التوافق الوطني واستمرار العقوبات الغربية، ما يتطلب مقاربات واقعية وجريئة تتجاوز منطق الانتظار والتمني.

حكومة بلا إجماع... والبديل مؤتمر وطني شامل

لا يمكن الحديث عن مناخ جاذب للاستثمار في ظل حكومة لا تحظى بإجماع وطني، ولا تمثل الإرادة العامة للسوريين بمختلف أطيافهم.

فغياب الشرعية الداخلية يُفقد أي جهد اقتصادي أو إداري القدرة على الصمود، ويُضعف ثقة المستثمرين، ويعزز الهواجس الداخلية والخارجية.

لذلك، فإن الأولوية الوطنية تكمن في عقد مؤتمر وطني عام، يُشارك فيه ممثلو القوى السياسية والمجتمعية والمدنية من مختلف مناطق البلاد والمهجر، بهدف التوافق على دستور جديد يؤسس لعقد اجتماعي جامع، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية تتمتع بالتمثيل الحقيقي والشرعية السياسية والأخلاقية.

هذه الحكومة، بما تحمله من طابع توافقي وتمثيلي، ستكون القادرة على إطلاق مسار إعادة الإعمار بشكل متوازن، وعلى بناء علاقات إقليمية ودولية متينة لا تُختزل في تحالفات آنية أو مصلحية ضيقة.

العقوبات باقية... فلنذهب نحو بدائل واقعية

الرهان على انتهاء العقوبات الغربية في المدى المنظور يبدو رهاناً خاسراً، إذ إن العقوبات ليست مرتبطة بالنظام السابق فقط، بل تتصل بتعقيدات ومصالح دولية تتجاوز الشأن السوري الداخلي.

من هنا، لا بد من التخلي عن الانتظار السلبي، والتوجه نحو تنويع الشراكات الاقتصادية والاستثمارية.

والفرص هنا تكمن في:

  • الاعتماد على دول قادرة على عدم الامتثال للعقوبات مثل الصين، روسيا، الهند، وغيرها من الدول الصاعدة التي تمتلك تجارب مشابهة.
  • الاستفادة من شركات دولية خاصة لها باع في العمل ضمن بيئات صعبة ومعقدة.
  • استخدام أدوات مالية غير تقليدية، بما في ذلك العملات الرقمية، ونظم المقايضة، وشبكات التحويل اللا مركزية، من أجل تجاوز القيود الغربية.

لكن ذلك كله يتطلب بيئة قانونية مرنة وآمنة، وإرادة سياسية واضحة، وهي أمور لا يمكن تحقيقها دون وجود سلطة انتقالية جديدة نابعة من التوافق الوطني.

تحديات استقطاب الاستثمارات... بيئة معقدة وثقة مفقودة

من أبرز العقبات التي تعترض طريق الاستثمار في سورية ما بعد الحرب هو وجود بيئة معقدة تنعدم فيها الضمانات الكافية.

فالمستثمرون، سواء المحليون أو الأجانب، يواجهون جملة من التحديات أبرزها:

  • غياب الثقة بالمنظومة الإدارية والقضائية، خاصة في ظل انتشار الفساد والمحسوبيات وغياب الشفافية.
  • ضعف البنية التحتية، والتي تعرضت لتدمير واسع، ما يرفع من تكاليف التشغيل والتأهيل.
  • عدم وضوح الإطار القانوني المنظم للاستثمار، وتداخل الصلاحيات، وغياب منظومة قضائية مستقلة للفصل في المنازعات.
  • غياب الحوافز الاستثمارية الفعلية، مثل الإعفاءات الضريبية أو تسهيلات التصدير والاستيراد.
  • استمرار التوترات الأمنية في بعض المناطق، ما يضعف من عنصر الأمان والاستقرار طويل الأمد للمشاريع.

كل هذه العوامل خلق بيئة جاذبة للاستثمار فقط، بل بناء الثقة تدريجياً من خلال إجراءات واضحة، وتسهيلات حقيقية، وشراكات شفافة بين القطاعين العام والخاص.

ما بين التحدي والفرصة

رغم قسوة الواقع وتعقيداته، فإن اللحظة الراهنة تُشكل فرصة تاريخية لإعادة صياغة الاقتصاد السوري على أسس جديدة، تحقق العدالة والتنمية والاستقرار.

لكن النجاح في هذا المسار مشروط بأمرين متلازمين: شرعية سياسية جديدة، وانفتاح اقتصادي واقعي يحقق المصلحة الوطنية.

فسورية الجديدة لا يمكن أن تُبنى إلا بإرادة السوريين أولاً، وبشراكات ذكية وواقعية ثانياً، تتجاوز خطاب الضحية نحو فعل البناء، وتتجاوز الحصار إلى مساحات أوسع من الممكنات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1224