استيراد السيارات... هل هو إنجاز أم استنزاف للدولار؟

استيراد السيارات... هل هو إنجاز أم استنزاف للدولار؟

في خبر منقول عن مديرية استيراد السيارات في وزارة النقل، جرى الإعلان عن دخول 100 ألف سيارة مستوردة إلى البلاد منذ استلام حكومة تسيير الأعمال وحتى اليوم مع الحكومة الحالية، في ظل قرار جديد يسمح باستيراد السيارات من موديل 2011 وما فوق، مع فرض رسوم جمركية تعتبرها الوزارة «أكثر عدالة» مقارنة بالماضي، فرسوم الاستيراد الحالية تتراوح بين 1500 إلى 2500 دولار أمريكي بحسب سنة الصنع.

في ظاهر الأمر، قد يبدو هذا الخبر إيجابياً، يتمثل بعودة الحياة الاقتصادية، وتحديث أسطول السيارات داخل البلد. ولكن إذا تعمقنا في القراءة الاقتصادية للخبر، نجد أن الواقع مختلف تماماً، ويدعو إلى القلق لا إلى الابتهاج!

مليار دولار مستنزف خلال أشهر

إذا اعتبرنا أن متوسط تكلفة السيارة الواحدة مع الرسوم الجمركية والنقل والمصاريف الإضافية يصل إلى 10 آلاف دولار، فإن مجموع ما أُنفق لاستيراد 100 ألف سيارة يصل إلى مليار دولار أمريكي، وفي بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وشح في النقد الأجنبي، يعد هذا الرقم كارثياً!
فمليار دولار كان يمكن أن يحدث فارقاً حقيقياً فيما لو استثمر في قطاعات إنتاجية مستدامة مثل الزراعة، أو الصناعة، أو البنى التحتية.

أين دور الدولة في التخطيط الاقتصادي؟

المشكلة الأساسية ليست في أولوية استيراد سلعة كمالية فقط مثل السيارات، بل في غياب التخطيط الاقتصادي الرشيد من قبل الحكومة. حيث يفترض أن تقوم الدولة بتوجيه الرساميل المحدودة إلى القطاعات التي تخلق القيمة المضافة الحقيقية، مثل:
إنشاء مصانع جديدة توفر منتجات للسوق المحلي وتخفف الاعتماد على الاستيراد.
استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج الغذائي الوطني.
الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لتقليل الحاجة لاستيراد الوقود المكلف بالدولار.
تطوير البنية التحتية (طرق، جسور، شبكات كهرباء ومياه) لجذب الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي.
فكل مليار دولار يُستثمر في هذه القطاعات يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل، ويساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي، ويخفف من البطالة، ويؤمن احتياجات المواطنين الأساسية، بدلاً من هدره على سيارات تزداد بها أزمات المرور، وتزيد بها الفوضى العمرانية والتعديات على الأرصفة، كما ترفع فاتورة استيراد المحروقات، مما يعمّق العجز في الميزان التجاري.

النتائج السلبية لاستيراد السيارات على الاقتصاد والمجتمع

يمكن تلخيص السلبيات بالآتي:
أزمات مرورية خانقة، فالشوارع التي تعاني أساساً من ضعف البنية التحتية لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السيارات، مما أدى إلى زيادة الازدحام وخاصة في ذروة أوقات التنقل، وزيادة التلوث البيئي، واستهلاك إضافي للمحروقات.
اهتلاك البنية التحتية، فزيادة حركة السيارات تسرّع من تدهور الطرق والأرصفة، مما يتطلب إنفاقاً إضافياً على الصيانة الدورية، التي غالباً ما يتم تجاهلها بسبب نقص الموارد.
زيادة الطلب على الوقود في بلد يستورد جزءاً كبيراً من احتياجاته النفطية بالدولار، فارتفاع عدد السيارات يؤدي إلى استنزاف إضافي للعملة الصعبة.
مفاقمة الاختلالات الاقتصادية، فبدلاً من تقليص العجز التجاري عبر تقليل الاستيراد وزيادة التصدير، تسهم هذه السياسات العشوائية في تعميق الأزمة.

الحاجة إلى تخطيط اقتصادي عقلاني

الخبر عن استيراد 100 ألف سيارة هو في الحقيقة مرآة تعكس غياب التخطيط الاستراتيجي عن الإدارة الاقتصادية الحالية في سورية.
فالحكومة، التي كان يجب أن تتصرف كقائد اقتصادي مسؤول، تبدو وكأنها رفعت يدها عن التوجيه، وفتحت الباب على مصراعيه أمام استنزاف الموارد المحدودة، دون حساب للأولويات الوطنية أو لمستقبل الاقتصاد.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج سورية إلى إدارة حكومية واعية، توجه الرساميل إلى حيث تكون أكثر فاعلية، وتضع خططاً إنتاجية تخلق فرص عمل، وتبني اقتصاداً قوياً ومستداماً، بدلاً من تركه فريسة للتربح السريع والاستهلاك العشوائي والفساد والفوضى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1224