جبل قاسيون... مشروع تجميلي جديد بين الوعود الرسمية وواقع الفقراء المنسي
نقلاً عن وكالة سانا بتاريخ 4 نيسان الجاري، أعلنت محافظة دمشق بدء تنفيذ مشروع إعادة تأهيل منطقة جبل قاسيون ضمن خطة وُصفت بأنها تهدف إلى إعادة «الألق والرونق» لهذا الموقع الجغرافي البارز في العاصمة السورية.
ويتضمن المشروع إنشاء أماكن ترفيهية وشعبية، ومرآب للسيارات، وتأمين البنية التحتية من صرف صحي ومطري ومياه وكهرباء، إلى جانب أعمال صيانة الأرصفة وتجميل المسطحات الخضراء والإنارة وغيرها.
غياب الشفافية... أسئلة دون أجوبة
ورغم أهمية المشروع على مستوى تحسين واجهة دمشق وإحياء موقع كان مهملاً لفترة طويلة، إلا أن الإعلان الرسمي أغفل العديد من التفاصيل الجوهرية، لم تذكر التكلفة التقديرية، ولا الجهة المنفذة فعلياً، ولا المدة الزمنية المقررة للتنفيذ، ولا مصادر التمويل، ولا حتى ما إذا كانت هناك دراسات جدوى اقتصادية واجتماعية للمشروع.
هذا الغياب يطرح تساؤلات مشروعة من باب الشفافية والمحاسبة:
من المسؤول عن صرف الأموال العامة؟
هل هناك رقابة على مدى تحقيق هذه المشاريع لأهدافها؟
وهل تتوافق مع الأولويات الحقيقية للناس؟
تجميل المكان أم تهميش الإنسان؟
بعيداً عن اللغة الترويجية التي صيغ بها الخبر، فإن المشروع يحمل طابعاً ترفيهياً وتجميلاً أكثر من كونه ضرورة خدمية أو إنمائية ملحة.
وفي ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد، وخصوصاً سكان دمشق من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، يصبح من المشروع التساؤل: أليس من الأجدى توجيه تلك الموارد إلى خدمات تمس الحاجات اليومية للمواطنين؟
على سبيل المثال، لا تزال أحياء فقيرة مثل ركن الدين، الشيخ محيي الدين، الزبلطاني، وغيرها، تعاني من مشاكل يومية في الكهرباء، وتراكم النفايات، وغياب الإنارة، وسوء الطرقات، وهي أولويات لا يمكن القفز فوقها نحو مشاريع تجميلية لا يستفيد منها إلا فئة محدودة.
أماكن «شعبية»... فعلاً؟
ورد في الخبر أن المشروع يشمل إقامة «أماكن شعبية مجانية تتلاءم مع حاجة المجتمع».
إلا أن التجارب السابقة في مشاريع مشابهة تُظهر أن هذه العبارات غالباً ما تبقى حبراً على ورق، إذ ما تلبث أن تتحول المواقع إلى أماكن مخصصة للمترفين «والطبقات العليا» مع أسعار دخول وخدمات تفوق قدرة المواطن العادي.
وهكذا يُقصى الفقراء عن الفضاء العام، ويتم تحويل ما يُفترض أن يكون ملكاً جماعياً إلى وجهات نخبوية مغلقة.
العدالة في التخطيط... حق مسلوب
ما يجري ليس إهمالاً لحقوق الفقراء فقط، بل تغييباً متعمّداً للعدالة في التخطيط المدني.
إذ يتم التوسع في المشاريع ذات الطابع الاستعراضي أو الجمالي، على حساب البنية التحتية الأساسية التي تخدم الملايين من ذوي الدخل المحدود.
والنتيجة هي خلق مدينة مزدوجة: الأولى «جميلة ونظيفة» تُعرض في الإعلام وتُفتتح بالكاميرات، والثانية «منسية ومهملة» يعيش فيها معظم السكان.
المطلوب: مساءلة وتخطيط عادل
إن التنمية الحقيقية لا تبدأ من قمة الجبل، بل من حاراته السفلى.
فإعادة الألق إلى العاصمة لا تكون بتجميل واجهتها السياحية فقط، بل بتحسين معيشة أبنائها وتوزيع الخدمات بشكل عادل.
وهذا يتطلب مساءلة شفافة، ومشاركة مجتمعية في التخطيط، وتوزيع الموارد بناءً على الحاجة لا على الرغبة في البروز.
إن حق الفقراء في المدينة لا ينبغي أن يكون ترفاً أو منّة، بل هو جزء أصيل من حقهم في الحياة الكريمة، والمكان العام، والخدمات الأساسية.
فهل تُعيد المشاريع القادمة الاعتبار لهذا الحق، أم سنظل نكتفي بالزينة بينما تنهار الجدران من الداخل؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222