تقرير برنامج الأغذية العالمي وضرورة التحرك نحو بدائل اقتصادية محلية
في ظل استمرار الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع عشر، يواجه السوريون واقعاً مأساوياً تتفاقم فيه معاناة ملايين الأسر التي تكافح من أجل توفير احتياجاتها الأساسية، وفي مقدمتها الغذاء.
فقد أشار تقرير صدر أخيراً عن برنامج الأغذية العالمي إلى صورة قاتمة للوضع الإنساني في البلاد، حيث يعيش أكثر من نصف السكان في حالة من انعدام الأمن الغذائي، مع تجاوز عدد المتضررين عتبة الـ13 مليون شخص، بينهم 3,1 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد.
أزمة غذائية تتجاوز القدرة على التحمل
تتزامن هذه الكارثة مع انهيار اقتصادي حاد، إذ تضاعفت تكاليف المعيشة ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، وأصبح الحد الأدنى للأجور لا يغطي سوى خمس احتياجات الأسرة من الغذاء، وعُشر حاجاتها الأساسية الأخرى.
وفي خضم هذه الأزمة، ترتفع معدلات سوء التغذية بين الأطفال والأمهات إلى مستويات تعتبر «حالة طوارئ عالمية»، بحسب التصنيفات المعتمدة.
من جهة أخرى وبحسب التقرير، ساهمت التطورات السياسية والأمنية الأخيرة في المنطقة، خصوصاً الإطاحة بالسلطة في أواخر عام 2024، في زيادة أعداد النازحين داخلياً في سورية، التي باتت تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد النازحين. وقد أضاف هؤلاء النازحون أعباءً إضافية على المجتمعات المضيفة التي تعاني أصلاً من انعدام الأمن الغذائي.
التراجع الكبير في المساعدات الدولية
ورغم هذه الاحتياجات المتزايدة، واجه برنامج الأغذية العالمي نقصاً حاداً في التمويل، اضطره إلى خفض مساعداته بنحو 80% خلال عام 2024. ولم يعد بإمكانه اليوم سوى دعم مليون شخص فقط من بين الأكثر تضرراً، ما يعكس خطورة المرحلة المقبلة ما لم تتدخل الجهات المانحة بشكل عاجل.
لكن بالمقابل تجدر الإشارة إلى أن الاعتماد المتزايد على المساعدات الدولية لم يعد حلاً مستداماً، خصوصاً مع ما يصاحبه من تراجع في التمويل العالمي، وتقلبات في أولويات الدول المانحة، فضلاً عن التبعات السياسية التي قد ترتبط بالمساعدات وتوظيفها لخدمة أجندات خارجية.
البدائل الاقتصادية المحلية ضرورة لا خيار
في ضوء ذلك، تبرز الحاجة الماسة إلى تبني استراتيجيات وطنية واقتصادية تعتمد على الذات، وتستثمر في الموارد المحلية.
ويمكن تحقيق ذلك عبر:
دعم الزراعة المحلية من خلال توفير البذور، الأدوات الزراعية، وتقديم الإرشاد للمزارعين، بهدف زيادة الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي من الداخل.
تمكين المجتمعات المحلية عبر برامج تنمية مهارات العمل وريادة الأعمال الصغيرة، خاصة للنساء والشباب، مما يساعدهم على إنشاء مشاريع إنتاجية تولد الدخل وتقلل الاعتماد على الإغاثة.
إنشاء تعاونيات إنتاج غذائي تتيح للمزارعين والعاملين في الصناعات الغذائية تنظيم أنفسهم لتقليل الكلفة وتحقيق عوائد مستدامة.
تشجيع الاستثمار المحلي والدعم المؤسسي من خلال تقديم حوافز للاستثمار في الصناعات الغذائية الخفيفة، والاعتماد على سلاسل الإمداد المحلية لتعزيز دورة الاقتصاد الداخلية.
دعوة للتحرك
إن تقرير برنامج الأغذية العالمي ليس مجرد وثيقة رقمية مليئة بالإحصائيات المقلقة، بل هو جرس إنذار لما قد يكون مرحلة أكثر خطورة إذا استمرت المعاناة بلا حلول جذرية.
سورية لا تحتاج إلى مساعدات مؤقتة فقط، بل إلى استراتيجية طويلة الأمد تعيد بناء القدرة الذاتية للناس وتمنحهم أدوات الاستقلال الغذائي والاقتصادي.
لذلك، فإن الجهات المحلية (الرسمية وغير الرسمية)، إلى جانب المجتمع الدولي، مطالبٌ اليوم بتغيير أسلوب التعامل مع الأزمة السورية من الإغاثة المؤقتة إلى التنمية المستدامة، ووضع حد لدوامة الجوع والتبعية، واستبدالها بمسارات الإنتاج والعيش المستقر الذي يحفظ الكرامة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222