البحث العلمي في سورية واقع مأزوم في ظل غياب الدعم المؤسسي

البحث العلمي في سورية واقع مأزوم في ظل غياب الدعم المؤسسي

في الوقت الذي تُعوّل فيه معظم دول العالم على طلاب الدراسات العليا بوصفهم حجر الأساس في نهضتها العلمية والتنموية، يعاني طلاب الدراسات العليا في سورية من ظروف معيشية وعملية قاسية، تقف حائلاً دون تمكنهم من أداء دورهم الطبيعي في خدمة البحث العلمي.

فالبيئة الحالية، كما تشير العديد من الشهادات، لا توفر الحد الأدنى من متطلبات التفرغ البحثي أو حتى العيش الكريم.
وقد نقلت صفحة «صوت طلاب الدراسات العليا في سورية» إحدى الصرخات المؤلمة التي أطلقها أحد طلاب الدراسات العليا، والتي تسلط الضوء بوضوح على حجم المعاناة اليومية التي يتكبدها الباحث السوري.
وتُعد هذه الشهادة وثيقة حية تلخص المشهد الحقيقي الذي لا يظهر في التقارير الرسمية أو المؤتمرات الأكاديمية.

تفرغ علمي على الورق... واستنزاف عملي على الأرض

يفترض بطالب الدراسات العليا أن يكون متفرغاً بالكامل للعمل البحثي، لكن الواقع يفرض عليه العكس تماماً. إذ يُكلف بأعمال إدارية ومهام أكاديمية كالمراقبات الامتحانية الصباحية المجانية، وتصحيح الأوراق، وإعطاء المحاضرات، دون أية تعويضات مالية.
كما أنه يُضطر للعمل بدوام كامل أو حتى بدوامين في مهن بعيدة عن تخصصه، لتأمين الحد الأدنى من المعيشة له ولأسرته، في ظل أجور لا تواكب متطلبات الحياة الأساسية.

ظروف معيشية خانقة تُقصي البحث من الأولويات

بحسب الشهادة المنشورة، فإن الطالب يواجه صعوبات في تأمين الخبز، ويتعرض لابتزاز اقتصادي في الحصول على الغاز المنزلي بأسعار خيالية، ويحتاج إلى مبالغ كبيرة شهرياً لتغطية الحد الأدنى من احتياجات الحياة اليومية.
أما باقات الإنترنت، الضرورية لأي عملية بحثية في العصر الحديث، فتعتبر عبئاً ثقيلاً على الميزانية المحدودة، ما يجعل الوصول إلى المصادر العلمية أو متابعة الدورات التخصصية أمراً بالغ الصعوبة.

لوم الباحث وتجاهل العوامل البنيوية

رغم هذه المعاناة، غالباً ما يُحمَّل طلاب الدراسات العليا مسؤولية تراجع البحث العلمي، ويوصمون بالتقصير أو عدم الجدية، دون الأخذ بالاعتبار حجم الضغوط التي تثقل كاهلهم.
وتستغرب الجهات المسؤولة من هجرة العقول، متناسية أن البيئة الطاردة هي السبب الأساسي في هذه الظاهرة.

حرية التعبير مقيدة... والتعبير عن الألم يتم بلغة حذرة

تضيف الشهادة: «طالب الدراسات مهدد بالفصل لو أساء اللفظ على التواصل الاجتماعي»، ما يعكس ضيق مساحة التعبير حتى فيما يخص قضاياه المصيرية.
هذا يدفع العديد من الباحثين إلى استخدام لغة حذرة ومشفّرة عند التعبير عن معاناتهم، خوفاً من العقوبات الإدارية أو المساءلة الأمنية.

ما المطلوب؟ أدنى مقومات الكرامة والبحث

ينادي طلاب الدراسات العليا، ومنهم صاحب الشهادة المشار إليها، بمجموعة من المطالب التي تُعد في جوهرها حقوقاً أساسية لأي باحث:

  • راتب شهري يغطي الاحتياجات المعيشية بحدها الأدنى.
  • تأمين خط إنترنت مجاني أو مخفض مخصص للبحث العلمي.
  • توفير قاعات دراسة مكيفة ومجهزة في الجامعات.
  • إعفاء من المهام الإدارية أو تعويض مادي عن الجهد المبذول فيها.
  • برامج دعم تحفيزية للبحوث المتميزة والمبادرات العلمية الجادة.

لا بحث علمي دون باحث مدعوم ومحترم

إن أي دعوة لتطوير منظومة البحث العلمي في سورية تبقى دعوة فارغة ما لم تبدأ من دعم الباحث نفسه، وتأمين بيئة إنسانية ومادية تمكنه من التفرغ والإنتاج.
فإصلاح البحث العلمي لا يبدأ من الورشات ولا من المؤتمرات، بل من احترام الإنسان الذي يحمل على عاتقه مسؤولية هذا البحث.
فإن استمر تجاهل هذه الحقيقة، فإن سورية ستخسر ما تبقى من طاقاتها العلمية، وتغدو ساحة تُصفَّر فيها العقول... لا تُصنع فيها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221