الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات السورية تصعيد اقتصادي أم ضغط سياسي؟

الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات السورية تصعيد اقتصادي أم ضغط سياسي؟

في خطوة تُعد من بين الأشد في سياق الحرب التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة مع عدة دول حول العالم، فرضت واشنطن رسوماً جمركية مرتفعة على الواردات السورية تجاوزت حاجز الـ40%، ما يجعلها من بين الأعلى عالمياً على السلع السورية.

ورغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن حجم الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات سنوياً، إلا أن هذا الإجراء لا يبدو اقتصادياً بقدر ما هو سياسي في طبيعته وسياقه.

واقع الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة

على أرض الواقع، لا تشكل الولايات المتحدة سوقاً أساسية للمنتجات السورية.
فعقود من التوترات السياسية، والعقوبات الاقتصادية المتلاحقة منذ بداية الألفية، قلصت من حجم التبادل التجاري إلى أدنى مستوياته.
وتتمثل أبرز الصادرات السورية إلى أمريكا في بعض المنتجات الزراعية المحدودة، والسجاد اليدوي، والمصنوعات الحرفية، التي تندرج ضمن قطاعات صغيرة يحركها أفراد أو شركات صغيرة في الشتات السوري.

تغير في السلطة... واستمرار العقوبات

المتغير الأبرز في المشهد السوري مؤخراً هو سقوط سلطة النظام السابق وتولي حكومة جديدة مقاليد الحكم في البلاد، في مسار سياسي طال انتظاره ولم يكتمل بعد.
هذا التحول يفترض أن يفتح الباب أمام إنهاء العقوبات الغربية، خاصة الأمريكية، باعتبار أن جزءاً كبيراً من هذه العقوبات فُرض تحت مبرر مواجهة ممارسات النظام الساقط.
غير أن استمرار هذه العقوبات، بل وفرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات السورية، يثير تساؤلات جدية حول نوايا السياسة الأمريكية!
فالمبررات التي استندت إليها العقوبات تهاوت بزوال السلطة الساقطة، فيما لا تزال تداعيات تلك العقوبات تقع على كاهل الشعب السوري، الذي دفع الثمن الأكبر خلال سنوات الحرب.

هل الشعب هو من يُعاقب؟

المفارقة المؤلمة أن من تضرر فعلياً من العقوبات والحصار لم يكن النظام نفسه، بل المواطن السوري، الذي يواجه أزمات في الغذاء، والدواء، والطاقة، وفرص العمل.
ومع كل إجراء اقتصادي جديد يستهدف سورية، حتى وإن كان محصوراً في صادرات محدودة، يتسع نطاق الضغط على الطبقات الفقيرة والمعدمة.
في هذا السياق، فإن استمرار الحرب التجارية بشكل غير مبرر تجاه سورية وفي ظل حكومة ناشئة، يبعث برسائل سلبية للشعب السوري والمجتمع الدولي حول جدية دعم الاستقرار والتحول السياسي في البلاد.
كما أنه يقيد يد الحكومة الجديدة، التي تحتاج إلى أفق اقتصادي مفتوح يساعدها في إنجاز مهامها في إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي.

انعكاسات القرار على مرحلة التعافي

مع التفاؤل بانطلاق جهود أولية لإعادة الإعمار، فإن أي شكل من أشكال التضييق الاقتصادي، خصوصاً من طرف فاعل دولي بحجم الولايات المتحدة، يشكل عقبة أمام جذب الاستثمارات، واستعادة الدورة الاقتصادية، وإعادة دمج سورية في الاقتصاد العالمي.
إن مثل هذه السياسات قد تضعف من قدرة الحكومة على النجاح، وهو ما يصب في نهاية المطاف ضد مصلحة السوريين الذين عانوا طويلاً.

وهم التعويل على الغرب

إن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على الواردات السورية لا يمكن فصلها عن السياق السياسي، ولكن مع تغير هذا السياق وزوال سلطة النظام السابق، لم تعد هذه الإجراءات مبررة. بل إنها اليوم تشكل عبئاً إضافياً على شعب يتوق إلى الاستقرار والتعافي.
إن الاستمرار في نهج العقوبات والحصار، دون إعادة نظر شاملة في أهدافها وتأثيراتها، يهدد بإعادة إنتاج المعاناة نفسها التي سعت هذه السياسات– نظرياً– إلى إنهائها.
فالوقائع تثبت بما لا لبس فيه أن التعويل على إنهاء العقوبات الغربية عبارة عن وهم، والأولويات الوطنية، بالإضافة لضرورة الاعتماد على الذات، باتت تفرض إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية مع الدول التي لديها الاستعداد لتجاوز العقوبات الغربية وعدم الامتثال لها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221