أجور المواصلات... عبء خانق وسط غياب الرقابة والمحاسبة

أجور المواصلات... عبء خانق وسط غياب الرقابة والمحاسبة

رغم كل الأزمات التي يعيشها السوريون يومياً، تبقى أجور المواصلات واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً ووجعاً، لكونها تمس كل مواطن دون استثناء.
فأن يتحول التنقل من وإلى العمل أو الجامعة إلى مصدر استنزاف دائم للدخل، هو أمر كفيل بإضعاف أي قدرة معيشية للمواطن، ويكشف فشلاً متراكماً في إدارة ملف النقل من قبل الجهات المعنية.
فأجور المواصلات تعتبر واحدة من أبرز الأزمات اليومية التي يواجهها المواطنون، لتتحول من خدمة أساسية إلى عبء اقتصادي متزايد يفوق قدرة الغالبية على التحمل.

تكاليف غير منطقية تنهك المواطن

في الحسابات البسيطة، يحتاج الموظف أو الطالب الذي يستخدم وسيلتي نقل في الذهاب والإياب بشكل يومي، إلى أكثر من 350 ألف ليرة شهرياً، فقط ليصل إلى وجهته ويعود.
أما العائلات التي تضم أكثر من فرد يعمل أو يدرس، فستجد نفسها مضطرة لرصد ما لا يقل عن مليون ليرة شهرياً للمواصلات فقط، أي ما يعادل أو يتجاوز كامل الدخل الشهري لهذه الأسرة في كثير من الحالات.
هذه الأرقام الصادمة تُظهر بشكل واضح أن النقل لم يعد خدمة عامة، بل عبئاً يومياً يدفع ثمنه المواطن من قوته، في وقت تغيب فيه الدولة عن ضبط التسعيرة أو توفير بدائل معقولة.

غياب العدالة وفوضى التسعير

المفارقة الكبرى أن أسعار المشتقات النفطية شهدت انخفاضاً في بعض الفترات، لكن تسعيرة النقل لم تتزحزح قيد أنملة.
والأسوأ من ذلك، أن مهمة تحديد الأجور أُنيطت بمديريات النقل في المحافظات، لكن المواطن لم يلمس أي أثر فعلي لهذا القرار، وكأن هذه المديريات مجرد واجهات إدارية غائبة عن الواقع، لا تعرف شيئاً عن الطوابير، ولا عن الأجور العشوائية التي يتقاضاها السائقون، ولا عن معاناة الناس اليومية.
فالمواطن، الذي يُفترض أن يكون محور الاهتمام، تُرك لمصيره في مواجهة سائقين يفرضون الأجرة التي يريدون، وسط غياب تام للرقابة، وعدم وجود أي جهة مستعدة للمساءلة أو الرد على الشكاوى.

انعكاسات كارثية على حياة الناس

لا يمكن التقليل من أثر هذه الأزمة، فهي لم تعد مجرد مشكلة نقل، بل أصبحت عاملاً مباشراً في تراجع نوعية الحياة، ويتركز ذلك بالنقاط التالية:
النزيف المادي المستمر، فكل يوم يمر يترك المواطن في عجز مادي أكبر، وقد أصبح تأمين المواصلات أهم من تأمين الغذاء أو الدواء لدى البعض.
تراجع في الالتزام بالدوام، فالكثير من الطلاب باتوا يغيبون عن جامعاتهم، والموظفون يعتذرون عن الذهاب إلى العمل، لأن تكلفة الذهاب تفوق ما قد يحصلون عليه.
أزمة الثقة بالمؤسسات، فكيف يمكن لمواطن أن يثق بجهة لا تستطيع حتى الآن وضع تسعيرة عادلة لحافلة نقل داخلي؟ وكيف يُطلب منه الصبر والتحمل، فيما لا يُطلب من أصحاب الخطوط الالتزام بأي نظام؟

دعوات لإجراءات فورية لا تحتمل التأجيل

المواطنون اليوم يطالبون بعدالة التعرفة، بمعنى أن تكون مناسبة لدخلهم وظروفهم المعيشية.
فليس من المنطقي أن يبقى المواطن يدفع المبلغ ذاته مقابل خدمة لا تتحسن، وسط تجاهل لأسعار المحروقات وتكاليف المعيشة الأخرى.
كما أن هناك دعوات متكررة لتفعيل الرقابة على شركات النقل والسائقين الذين يتقاضون أجوراً تفوق التسعيرة الرسمية دون حسيب أو رقيب.
فالمواطنون اليوم لا يطلبون معجزات، بل إجراءات منطقية وعادلة تتمثل بالآتي:
إعادة النظر في تسعيرة النقل بما يتناسب مع دخل المواطن وأسعار المحروقات.
تفعيل الرقابة الصارمة على الخطوط والسائقين.
توفير وسائل نقل عامة منتظمة وآمنة وبأجور مدعومة.
كما يجب أن تتحمل مديريات النقل والجهات الوصائية مسؤوليتها الكاملة، لا أن تكتفي بدور المتفرج أو إصدار قرارات على الورق فقط. فالصمت لم يعد مقبولاً، والمواطن لم يعد يحتمل المزيد من الاستنزاف.

المطلوب تحرك فوري

إن معالجة أزمة أجور المواصلات في سورية تتطلب رؤية شاملة تراعي دخل المواطن، وتستند إلى الشفافية والتدخل الحقيقي من قبل الجهات المعنية.
فأجور النقل في سورية لم تعد «خدمة»، بل أصبحت أزمة معيشية حقيقية تُفاقم أوجاع الناس يومياً.
ومع غياب أي أفق لحلول جذرية، بات من الضروري أن يكون هناك تحرك فوري وجاد يعيد الاعتبار للنقل كحق أساسي للمواطن، لا أن يبقى ترفاً لمن يملك المال، فهو خدمة أساسية يجب أن تكون متاحة بتكلفة معقولة، تضمن حق المواطن في التنقل بكرامة وأمان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221