مأساة طلاب الشهادات في الجزيرة السورية
في ظل الأوضاع السياسية المعقدة في شمال شرقي سورية، يعاني آلاف الطلاب، ولا سيما طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، من قرارات تهدد مستقبلهم التعليمي، مما يضعهم وأسرهم أمام تحديات غير مسبوقة.
فبين تعديلات المناهج وإغلاق المدارس وفرض إشراف جديد على الامتحانات، يجد هؤلاء الطلاب أنفسهم في مأزق خطير قد يؤثر على مستقبلهم التعليمي والأكاديمي والمهني، بل وعلى مستقبل البلاد ككل.
عرقلة الامتحانات وتكاليف باهظة للأهالي
تعد قرارات الإدارة الذاتية حول التعليم، ولا سيما فيما يخص طلاب الشهادات، بمثابة عقبة كبيرة أمام متابعة مسيرتهم الدراسية بشكل طبيعي.
ففرض إجراء الامتحانات تحت إشراف هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية، مع منع إرسال الأوراق إلى دمشق للتصحيح، يثير قلقاً واسعاً حول الاعتراف بشهاداتهم.
كما أن إجبار الطلاب على اختيار محافظة أخرى لإجراء امتحاناتهم يزيد من معاناة الأسر التي تعاني بالفعل من ظروف اقتصادية صعبة، حيث سيتوجب على الكثير منهم تحمّل تكاليف السفر والمعيشة في أماكن بعيدة عن منازلهم، وهو ما يشكل عبئاً هائلاً لا تستطيع الكثير من العائلات تحمله.
ضياع جهود الطلاب بين المناهج المتضاربة
معظم الطلاب الذين يستعدّون لتقديم الشهادتين الإعدادية والثانوية درسوا طوال سنواتهم السابقة وفق المنهاج الحكومي باللغة العربية، والآن يجدون أنفسهم أمام احتمالية تقديم امتحانات تحت إشراف هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية، التي قد تعتمد منهجاً جديداً في العام الدراسي القادم.
هذا التحول المفاجئ يعرض الطلاب لحالة من الارتباك وعدم اليقين، حيث قد يواجهون صعوبة في التأقلم مع المناهج الجديدة أو مع طريقة الإشراف المحلية على الامتحانات، مما قد يؤثر سلباً على نتائجهم ومعدلاتهم.
التعليم في قلب الخلافات السياسية
التعليم حق أساسي يجب أن يكون بمنأى عن الخلافات السياسية والصراعات الإدارية، لكن الواقع في الجزيرة السورية يثبت عكس ذلك!
فبدلاً من أن يكون التعليم وسيلة لبناء المستقبل، أصبح ورقة ضغط تُستخدم في النزاعات السياسية، مما يحرم الطلاب من الاستقرار الأكاديمي الذي يحتاجونه.
إن تأجيل الحلول السياسية إلى المستقبل مع فرض قرارات أحادية على الطلاب الحاليين، يعكس عدم مراعاة للحق الأساسي في التعليم، والذي ينبغي أن يكون محمياً من كل أشكال التسييس.
انعكاسات خطيرة على مستقبل البلاد
إن أي مساس بمنظومة التعليم ستكون له عواقب وخيمة على المدى البعيد!
فإضعاف النظام التعليمي أو خلق أجيال غير قادرة على إكمال دراستها الجامعية بسبب عدم الاعتراف بشهاداتها، سيؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءات المحلية، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد والتنمية في المنطقة.
كما أن حالة عدم الاستقرار التعليمي قد تدفع بالكثير من العائلات إلى البحث عن بدائل خارج البلاد، مما يعزز هجرة العقول ويزيد من تراجع مستوى التعليم في سورية ككل.
الحل بالتوافق بعيداً عن بازارات السياسة
إن حل هذه الأزمة يجب أن يكون عبر تفاهمات واضحة تضمن حقوق الطلاب، دون تسييس التعليم وزج الطلاب بمتاهة البازارات والضغوطات السياسية المتبادلة.
ومرحلياً بالحد الأدنى المطلوب هو:
السماح لطلاب هذا العام بتقديم امتحاناتهم كما هو مخطط وفق المنهاج الحكومي، مع تأجيل أي تعديلات أو تغييرات في الإشراف والمناهج إلى العام الدراسي القادم، بعد وضع حلول شاملة متفق ومتوافق عليها وطنياً.
يجب توفير ضمانات واضحة تضمن الاعتراف بالشهادات وعدم وضع عراقيل مستقبلية أمام الطلاب الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية.
التعليم حق فردي ومجتمعي
التعليم هو حجر الأساس لأي مجتمع، وحماية حق الطلاب في التعلم دون عوائق سياسية أو إدارية يجب أن تكون أولوية قصوى.
إن مستقبل الطلاب في الجزيرة السورية في خطر، وإذا لم يتم اتخاذ قرارات حكيمة تبعد التعليم عن التجاذبات السياسية، فإن جيلاً كاملاً قد يدفع الثمن.
فهل ينتصر صوت العقل لحماية مستقبل هؤلاء الشباب، أم سيظل التعليم ساحة أخرى للصراع في سورية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1217