الدور المتواضع للبنك المركزي بالتحكم بسعر الصرف!
يعتبر البنك المركزي أحد أهم المؤسسات المالية في أي دولة، حيث يلعب دوراً محورياً في إدارة السياسات النقدية والمالية، بما في ذلك التحكم في سعر صرف العملات الأجنبية، خاصة الدولار، الذي يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الكلي.
فمن خلال تأثيره على (التجارة الدولية، التضخم، البطالة، الاستثمارات الأجنبية، والنمو الاقتصادي)، يصبح التحكم في سعر الصرف من المهام الأساسية للبنك المركزي.
ومع ذلك، فإن فعالية هذه السياسات تعتمد على مدى انسجامها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
إجراءات المركزي الخجولة!
في بيان صادر عن المصرف المركزي السوري بتاريخ 4 شباط 2025، تم توضيح أسباب ارتفاع قيمة الليرة السورية في السوق السوداء.
حيث أرجعت الجهات المسؤولة هذا التحسن إلى عوامل نقدية ومالية وسياسية، مع وعود بإجراءات تدخلية لاستعادة استقرار سعر الصرف وتقليل الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي.
وشملت هذه الإجراءات تخفيض سعر النشرة الرسمية، ضخ المزيد من السيولة، والتخفيف التدريجي لقيود السحب.
ومع ذلك، تظل هذه الإجراءات خجولة وغير كافية لمعالجة الأزمة بشكل جذري.
إجراءات البنك المركزي ما زالت غير كافية!
رغم الوعود، لم تؤدِّ الإجراءات إلا إلى ارتفاع سعر الصرف الرسمي من 13,000 إلى 13,200 ليرة سورية، مما يعني مزيداً من انخفاض قيمة الليرة دون تأثير يُذكر على السوق السوداء، التي تتحكم فيها عوامل بعيدة عن سياسات البنك المركزي.
وهذه العوامل تشمل الفساد، تهريب العملة، وسيطرة كبار التجار على السوق، مما يسمح لهم بالاستمرار في نهب المدّخرات السورية بحرية ودون رادع.
الأدوات المالية والنقدية فعالة شرط انسجامها مع الواقع الاقتصادي!
الأدوات المالية والنقدية، مثل (عرض النقود، الضرائب، وقيود السحب)، يمكن أن تكون فعالة إذا ما تم توافقها مع الواقع الاقتصادي.
لكن في حالة الاقتصاد السوري المنهار، فإن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، مثل (ضعف الإنتاجية الصناعية والزراعية، والاعتماد المفرط على الواردات)، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات على المدى الطويل.
فمن بين هذه الأزمات (التضخم المفرط، ارتفاع البطالة، وانخفاض النمو الاقتصادي)، مما يزيد من التوترات الاجتماعية بسبب تدني مستويات المعيشة وزيادة التفاوت الطبقي.
لذا، من المفترض أن تكون السياسات النقدية والمالية متوازنة ومتناسقة مع السياسات الاقتصادية الشاملة لتحقيق استقرار حقيقي ودائم.
وفي حالة سورية، يتطلب الأمر إصلاحات هيكلية عميقة تشمل تحسين الإنتاجية، وتشجيع المستثمرين، بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الشفافية في إدارة السياسات النقدية والمالية، وضمان أن تكون الإجراءات المتخذة مدروسة بعناية لتجنب الآثار السلبية على المدى الطويل.
مكافحة توغل تجار الدولار
إن الإجراءات الحالية للبنك المركزي ساهمت بتخفيض سعر الصرف بشكل وهمي لمصلحة المضاربين بالعملة، بينما كان من المفترض تفعيل الأدوات المالية والنقدية بما يضمن مكافحة توغل تجار الدولار الذين باتوا يتحكمون بسعر الصرف بدور أعلى من الجهة المسؤولة (البنك المركزي) بما يتناسب ومصالحهم الضيقة على حساب مصالح سورية والسوريين.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأدوات المالية والنقدية، حتى لو تم استكمالها بالشكل المطلوب والمفترض لمكافحة توغل تجار العملة، تظل غير كافية لمعالجة الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها البلاد، ما يعني ضرورة وجود رؤية شاملة ومتكاملة تعالج الأسباب الجذرية للأزمة، وخاصة الإنتاج الحقيقي (الزراعي والصناعي)، بما يضمن تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي على المدى الطويل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214