شركة حديد حماة ركيزة استراتيجية لإعادة الإعمار والتفريط بها بالضد من المصلحة الوطنية
تُعد الشركة العامة للمنتجات الحديدية والفولاذية في حماة من أبرز المؤسسات الصناعية في سورية، حيث تلعب دوراً حيوياً في دعم قطاع البناء والتشييد، وهو أمر بالغ الأهمية في مرحلة إعادة الإعمار التي تتطلب تأمين المواد الأساسية محلياً، وتقليل الاعتماد على الواردات المكلفة.
في ظل هذه الضرورة الوطنية، يبرز التساؤل المشروع حول مدى جدوى طرح الشركة للاستثمار من قبل حكومة تسيير الأعمال، في حين أنها تُصنف ضمن الشركات الرابحة والتي يمكن تطويرها من داخل القطاع العام، دون الحاجة إلى تحويلها إلى استثمار، داخلي أو خارجي، تحت عناوين الخصخصة المباشرة وغير المباشرة.
أهمية الشركة في إعادة الإعمار
تعتمد عمليات إعادة الإعمار على قطاع الحديد والصلب باعتباره أحد أهم المحاور الداعمة للبناء والبنية التحتية.
وتتميز شركة حديد حماة بامتلاكها أربعة معامل رئيسية تساهم بشكل مباشر في هذه العملية:
معمل صهر الخردة، الذي ينتج العروق الفولاذية (البيليت) اللازمة لصناعة الحديد.
معمل القضبان، الذي يُنتج الحديد المبروم والمحلزن المستخدم في تسليح الخرسانة المسلحة، وهو عنصر أساسي في بناء المنشآت السكنية والجسور والمباني الصناعية.
معمل التطريق، الذي يوفر مطروقات فولاذية تستخدم في الصناعات الثقيلة وقطاع النقل.
معمل الأنابيب والبروفيلات المعدنية، الذي ينتج الأنابيب المعدنية المستخدمة في تمديدات المياه والغاز، ما يجعله جزءاً أساسياً في إعادة تأهيل شبكات البنية التحتية.
ونظراً لهذه الأهمية، فإن التفريط بهذه المنشأة من خلال تحويلها إلى استثمار خاص قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني، سواء من حيث الأسعار أو توافر المواد أو التحكم بالإنتاج بما يخدم المصلحة الوطنية.
لماذا يجب أن تبقى الشركة بيد الدولة؟
بالإضافة إلى ما ورد أعلاه من حيث الأهمية الوطنية للشركة، يمكن إيراد النقاط الآتية المرتبطة بضرورة إبقائها بيد الدولة:
إن إبقاء الشركة ضمن القطاع العام يضمن استمرار الإنتاج وفق الأولويات الوطنية، بعيداً عن أي تأثيرات، داخلية أو خارجية، قد تتحكم في الأسعار أو الكميات المطروحة في السوق، وذلك لضمان الأمن الصناعي والاقتصادي للبلاد.
تحتاج سورية خلال هذه المرحلة إلى تعزيز إنتاج المواد الأولية محلياً، وتقليل الاستيراد الذي يستنزف القطع الأجنبي، مما يجعل تطوير شركات مثل حديد حماة أمراً استراتيجياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إذا انتقلت الشركة إلى الاستثمار الخاص، فقد يؤدي ذلك إلى هيمنة عدد محدود من المستثمرين على السوق، مما قد يتسبب في ارتفاع أسعار الحديد واحتكار مواده الأساسية، وهو ما قد يعيق مشاريع إعادة الإعمار، بينما إبقاؤها بيد الدولة يضمن الحد من الاحتكار والتحكم في الأسعار.
من الممكن أن تعمل الشركة بمعاملها أعلاه على ثلاث ورديات، ما يعني تشغيل آلاف العمال بشكل مباشر وغير مباشر، ونقلها إلى مستثمرين قد يعرض هؤلاء العمال لخطر البطالة أو تقليص الحقوق والامتيازات الوظيفية، بينما بقاؤها بيد الدولة يعني دعم تشغيل اليد العاملة المحلية وحسن استثمارها.
تمتلك الشركة مساحات واسعة يمكن استثمارها لإنتاج الطاقة الشمسية، ما يعزز قدرتها على تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح، وذلك يعني استغلال الموارد الوطنية لصالح الاقتصاد العام، دون الحاجة إلى اللجوء إلى المستثمرين الأجانب أو المحليين.
سلبيات تحويل الشركة إلى الاستثمار الخاص
يعتبر الحديد والصلب من الصناعات الاستراتيجية التي لا ينبغي التفريط بها، لأن الاعتماد على مستثمرين، محليين أو أجانب، قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج في أية لحظة وفقاً لمصالحهم، ما يعني فقدان السيطرة على قطاع حيوي وهام.
وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، يُفترض أن تعتمد الدولة على مواردها الذاتية، وعدم رهن صناعاتها الحيوية بيد رؤوس الأموال التي قد تسعى إلى تحقيق أرباح سريعة بدلاً من الاستثمار طويل الأمد في تطوير هذا القطاع، الأمر الذي قد يهدد استقلالية الاقتصاد الوطني.
قد يسعى المستثمرون إلى تقليل التكاليف عبر خفض جودة الإنتاج أو الاستغناء عن بعض الخطوات الفنية التي تضمن معايير السلامة، أي تراجع الجودة لحساب الربحية، مما قد يؤثر على جودة البناء في المشاريع الوطنية.
إذا تمت خصخصة الشركة أو طرحها للاستثمار، فإن الأسعار قد تخضع لحسابات ربحية خاصة، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة مواد البناء وارتفاع الأسعار في السوق المحلية، وبالتالي إبطاء عملية إعادة الإعمار.
تعزيز القطع الصناعي العام خيار استراتيجي
إن تعزيز القطاع الصناعي العام لا يمثل مجرد خيار اقتصادي، بل هو خيار استراتيجي لضمان الأمن الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في ظل الحاجة الملحة لمواد البناء في إعادة إعمار سورية.
وفي هذه المرحلة المصيرية، من الضروري أن تبقى الشركة العامة للمنتجات الحديدية والفولاذية في حماة بيد الدولة، مع تبني خطة تطويرية تعتمد على تحديث التكنولوجيا، وتحسين كفاءة الإنتاج، واستثمار مواردها الذاتية مثل الطاقة الشمسية.
على ذلك فإن مساعي التفريط بهذه الشركة من قبل حكومة تسيير الأعمال لطرحها للاستثمار المحلي أو الأجنبي لا يعني إغفال الأهمية الاستراتيجية لها فقط، بل يعني التفريط بالمصلحة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214