انخفاض أسعار المحروقات بلا فائدة تُذكر

انخفاض أسعار المحروقات بلا فائدة تُذكر

في مشهد بات مألوفاً لدى السوريين، شهدت الأسواق خلال الأيام الماضية انخفاضاً ملحوظاً في أسعار المحروقات، إلى جانب تراجع سعر صرف الدولار إلى مستويات غير متوقعة، ما كان يفترض أن ينعكس إيجابياً على تكاليف المعيشة.

إلا أن الواقع جاء مغايراً تماماً، حيث لم تشهد أسعار السلع والخدمات الأساسية أي انخفاض يذكر، فيما بقيت بعض التكاليف مثل المواصلات وتسعيرة «الأمبيرات» على حالها، وكأن هذه الانخفاضات لم تحدث أصلاً.

المواصلات... عبء ثقيل رغم انخفاض المحروقات

تعكس تكاليف النقل العام هذا الاختلال الصارخ في آليات التسعير، إذ ما زال السوريون يدفعون مبالغ طائلة للتنقل، حتى بعد انخفاض أسعار المحروقات.
فأجرة النقل داخل العاصمة لم تنخفض وبقيت بواقع 4000 ليرة للسفرة، وقد وصلت أجرة بعض الخطوط من الريف إلى المدينة في منطقة القلمون إلى 25,000 ل.س للرحلة الواحدة، أي ما يعادل 50,000 ل.س يومياً للذهاب والإياب، دون احتساب تكاليف التنقل داخل المدينة نفسها.
هذه الأرقام تعني أن بعض الطلاب والموظفين في المناطق البعيدة يضطرون لدفع نحو 60,000 ل.س يومياً فقط للمواصلات، ما يشكل عبئاً مالياً هائلاً، خاصةً للطلاب الذين بدأوا امتحاناتهم مؤخراً، حيث قد تصل تكاليف المواصلات خلال فترة الامتحانات إلى نصف مليون ليرة سورية لكل طالب جامعي.
هذا الواقع يعكس خللاً واضحاً في عملية التسعير، حيث كان من المفترض أن تنخفض أجور النقل بشكل يتناسب مع انخفاض تكلفة الوقود، إلا أن غياب آلية رقابية صارمة فتح المجال أمام السائقين وأصحاب وسائل النقل للاستمرار في فرض أجور مرتفعة، بحجة ارتفاع تكاليف التشغيل وعدم توفر المحروقات بالسعر المدعوم بشكل كافٍ.

«الأمبيرات» باقية على حالها رغم تراجع أسعار الوقود

إلى جانب أزمة النقل، ما زالت تسعيرة «الأمبيرات» التي يعتمد عليها كثير من السوريين كمصدر بديل للكهرباء عند انقطاع التيار الكهربائي، مرتفعة جداً رغم انخفاض أسعار المازوت المستخدم في تشغيل المولدات.
فلا يزال سعر الكيلوواط الساعي ثابتاً عند 15,000- 16,000 ل.س، ما يشكل عبئاً إضافياً على العائلات التي تجد نفسها مضطرة لدفع مبالغ طائلة للحصول على الكهرباء، في ظل غياب حلول بديلة كافية من قبل الجهات المعنية.

أين المشكلة؟ ولماذا لا تنخفض الأسعار؟

المشكلة الأساسية تكمن في غياب جهة حكومية ناظمة تتحكم في ضبط تكاليف الخدمات الأساسية، وتفرض أسعاراً عادلة تتماشى مع تغيرات السوق.
ففي ظل انعدام الرقابة الفعالة، يبقى التسعير خاضعاً لمصالح الأفراد وأصحاب الأنشطة التجارية، الذين يفضلون الحفاظ على معدلات ربح مرتفعة حتى بعد انخفاض التكاليف التشغيلية.
يحتاج السوريون إلى سياسات واضحة لتنظيم الأسعار، بحيث يتم تحديد أجور النقل، وأسعار الكهرباء من «الأمبيرات»، وغيرها من الخدمات، بناءً على معايير واقعية تأخذ في الاعتبار التكلفة الفعلية وهوامش الربح المعقولة، بدلاً من تركها لعوامل السوق الاستغلالية وغير المنضبطة التي تزيد من الأعباء على المواطنين.

غياب الحلول التنظيمية العادلة

يبدو أن انخفاض أسعار المحروقات لم يأتِ بأية فائدة تُذكر للمواطن السوري، حيث بقيت تكاليف المعيشة مرتفعة دون أي تحسن ملموس. وبينما يستمر هذا الخلل في التسعير، يجد السوريون أنفسهم مضطرين للتكيف مع واقع اقتصادي يزداد تعقيداً مع عجزهم عن ذلك، بسبب غياب الحلول التنظيمية التي من شأنها أن تحقق توازناً بين تكاليف الخدمات ودخل المواطنين.
الأمر اليوم لم يعد متعلقاً بانخفاض سعر الدولار أو المحروقات فحسب، بل بغياب منظومة رقابية عادلة تضع حداً لجشع المستفيدين من الأزمات الاقتصادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213