المحرر السياسي: النصف الملآن من «كأس السويداء»!

المحرر السياسي: النصف الملآن من «كأس السويداء»!

لجأت إحدى العائلات في ريف السويداء المحاذي لدرعا، إلى منزل صديق قديم للعائلة في درعا، واحتمت في داره. وحين بدأت عمليات تعفيش للقرية التي لجأت منها العائلة، ذهب الصديق الدرعاوي للاشتراك بـ«التعفيش»، ولكن بهدف محدد: قام بـ«تعفيش» بيت العائلة اللاجئة في داره، ليس من باب السرقة كما فعل آخرون، بل كي يصون ممتلكات العائلة، بانتظار أن تهدأ الأمور ليعيد ضيوفه وعفشهم إلى بيتهم معززين مكرمين.

هذه القصة حقيقية بالكامل، وهي ليست قصة نادرة، بل هي مكررة مئات المرات، وعلى الجانبين، وهي تعكس الأخلاق الحقيقية للسوريين، وعمق الروابط وقدمها وعراقتها فيما بينهم، بغض النظر عن طائفة أو دين أو قومية.

من الصحيح أن الجرح الدامي الذي خلفته أحداث السويداء هو جرح عميق جداً، ومن الصحيح أن فوران الدم والمآسي والجرائم التي تم ارتكابها قد دفعت كثيرين إلى تبني خطابات ثأرية وطائفية مقيتة، بل وإلى التشكيك في إمكانية استمرار البلاد موحدة، ناهيك عن التدخلات الخارجية المختلفة التي أرادت بالناس شراً إضافياً.

رغم ذلك كله، فإن المصيبة نفسها، قد أيقظت في قلوب عدد كبير جداً من السوريين، وفي طول البلاد وعرضها، مشاعر إنسانية ووطنية كامنة، بعيداً عن مصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك، وأكثر وعياً وتقدماً من مواقف السلطات والقوى السياسية المختلفة وتصريحات الدول وتعبيراتها عن القلق...

الملمات الكبرى التي يمر بها الشعب السوري، تعيد التأكيد أنه شعب راسخ وعميق الجذور، وعنيد وصلب ويصعب تهشيمه وتفتيته ضمن المصالح السياسية الضيقة؛ فآراء الناس الفعلية تؤخذ من الأرض ومن أفواههم وأفعالهم مباشرة، وليس من فيسبوك أو الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي أو الخارجي، حيث المصالح السياسية الضيقة هي الحاكم والمنظم.

رغم المعاناة والمأساة الكبرى، لكن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وعلى هذه الأرض سوريون حقيقيون ينتمون لبعضهم البعض... تتغير الأنظمة والسلطات، وتتغير التدخلات الخارجية جيئة وذهاباً، يمر احتلال ويذهب احتلال، ويبقى السوريون راسخين في أرضهم، وراسخين في أخلاقياتهم وانتمائهم الإنساني الجامع لبعضهم البعض... ويذهب الزبد، عاجلاً أم آجلاً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000