أزمة الكوادر الطبية بين الحاجة إلى الدعم الخارجي وإهمال الكفاءات المحلية
وصل إلى دمشق فريق طبي سعودي للمساهمة في دعم القطاع الصحي، في خطوة تأتي استجابة لنقص الكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية العامة.
لا شك أن أي دعم خارجي يمكن أن يخفف من حدة الأزمة التي يعانيها هذا القطاع منذ سنوات، إلا أن هذه الخطوة تسلط الضوء على إشكالية أعمق تتعلق بإهمال الكفاءات المحلية وعدم توفير بيئة عمل جاذبة للأطباء والممرضين السوريين.
القطاع الصحي معاناة مستمرة
تعاني المستشفيات والمراكز الصحية العامة في سورية من تدهور مستمر بسبب نقص الكوادر الطبية، سواء بسبب الهجرة أو انخفاض أعداد الخريجين الراغبين في العمل داخل البلاد.
فعلى الرغم من وجود كفاءات محلية قادرة على تغطية هذا العجز، إلا أن عزوف الكثير من الأطباء عن العمل في القطاع العام يعود إلى أسباب عدة، أبرزها:
ضعف الرواتب وانعدام الحوافز، فالأجور التي يتقاضاها العاملون في المجال الصحي (أطباء- ممرضون- مخبريون- فنيون...) داخل القطاع العام الصحي تعتبر متدنية جداً مقارنة بالمتطلبات المعيشية المرتفعة، مما يدفع هؤلاء، وخاصة الأطباء، إلى البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص أو الهجرة إلى الخارج.
الظروف القاسية وسوء بيئة العمل، فالمستشفيات تعاني من نقص في المعدات والتجهيزات الطبية، بالإضافة إلى غياب الدعم اللوجستي، ما يجعل العمل في هذا القطاع مرهقاً وغير مجزٍ مهنياً.
عدم وجود خطط لاستقطاب الكوادر الطبية الشابة، فمعظم خريجي كليات الطب والمعاهد الصحية يفضلون التوجه نحو التخصصات التي تتيح لهم السفر إلى الخارج بسبب غياب التشجيع الرسمي للعمل في المستشفيات والمراكز الصحية العامة.
الدعم الخارجي... حل مؤقت أم بديل دائم؟
قد يكون وصول فريق طبي سعودي خطوة إيجابية مؤقتة لدعم القطاع الصحي في المرحلة الراهنة، لكنه يثير تساؤلات حول مدى اعتماد سورية على الدعم الخارجي بدلاً من إصلاح المشاكل الداخلية التي أدت وتؤدي إلى نقص الكوادر.
فبدلاً من الاكتفاء بالاستعانة بفرق طبية أجنبية، ربما من الضروري وضع استراتيجيات لتحسين أوضاع الأطباء والممرضين المحليين من خلال:
رفع الرواتب وتقديم حوافز مجزية لتشجيع الأطباء والكادر الطبي على البقاء والعمل داخل البلاد.
تحسين بيئة العمل عبر توفير المستلزمات الصحية والتجهيزات الطبية الحديثة، وتحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية في المستشفيات والمراكز الصحية العامة.
إطلاق برامج تدريب وتطوير مستدامة للكوادر الطبية، وخاصة الشابة، وتأمين فرص للتخصص داخل البلاد بدلاً من دفعهم إلى الهجرة.
الحاجة إلى الحلول المستدامة
إن أزمة القطاع الصحي في سورية ليست مستجدة، فهي مزمنة منذ عقود، وهي لا تقتصر على نقص الكوادر الطبية فقط، بل هي انعكاس ونتيجة لجملة من السياسات المجحفة، الإدارية والاقتصادية والمالية والأجرية والتعليمية، والتي تحتاج إلى إصلاح وتغيير جذري، وخاصة سياسات تخفيض الإنفاق العام والسياسات الأجرية الظالمة.
فالاعتماد على وجود فرق طبية أجنبية قد يخفف من الأزمة مؤقتاً، لكنه ليس بديلاً عن دعم الكفاءات والخبرات المحلية التي يمكنها سد الفجوة إذا توفرت لها الظروف الملائمة للعمل والاستقرار.
فالحل الحقيقي لأزمة القطاع الصحي يبدأ في الاستثمار في الكادر الطبي المحلي لضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية للمواطنين دون استمرار الحاجة إلى المساعدة الخارجية، ولا ينتهي بضرورة تأمين المستلزمات والتجهيزات وتأهيل البنية التحتية للمنشآت الصحية العامة، مشافيَ ومراكز صحية ومستوصفات، لتحسين خدماتها واستدامتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1213