البسطات في دمشق الملاذ الأخير في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية

البسطات في دمشق الملاذ الأخير في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية

تشهد شوارع دمشق انتشاراً غير مسبوق للبسطات، التي أصبحت مصدر رزق لعدد كبير من المواطنين، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
فقد باتت هذه الظاهرة تعكس واقعاً اقتصادياً ومعيشياً مأزوماً، حيث لم يعد أمام العاطلين عن العمل والمتزايدين منهم سوى اللجوء إلى هذه الوسيلة لتأمين قوت يومهم.
لكن رغم ذلك، فإن هذا الحل المؤقت لا يوفر حياة كريمة للعاملين به، بل يفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في المدينة.

أسباب انتشار البسطات

يرجع الانتشار الكثيف للبسطات في دمشق إلى عدة أسباب، أهمها:
تدهور الأوضاع الاقتصادية، فمع توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية والصناعية، تقلصت فرص العمل بشكل كبير، مما دفع العاطلين عن العمل إلى البحث عن أي مصدر دخل متاح.
ارتفاع معدلات البطالة، والذي تزايد مع حملات الفصل التعسفي من العمل في الجهات العامة، فمع غياب فرص التوظيف، باتت البسطات خياراً وحيداً لكثير من الأفراد غير القادرين على إيجاد عمل في القطاعات التقليدية شبه المتوقفة.
غياب الدعم الاجتماعي والاقتصادي، حيث لم تقدم السياسات الحكومية بدائل حقيقية لاستيعاب الأيدي العاملة، مما جعل العمل الحر في الشوارع الملاذ الأخير للكثيرين.
الاستثمار غير المباشر في البسطات، فرغم أن بعض العاملين في البسطات يملكونها، لكن الغالبية العظمى يعملون كموظفين لدى أشخاص آخرين، وبرواتب زهيدة تعتمد على حجم المبيعات، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية لديهم.

النتائج والآثار المترتبة على انتشار البسطات

التأثير السلبي الأول اقتصادي ويتمثل بداية بتراجع الإنتاجية، فمع انتقال جزء كبير من القوى العاملة نحو الأعمال الهامشية وغير المنظمة، تتراجع الإنتاجية في القطاعات الأساسية مثل الصناعة والزراعة. بالتوازي مع ذلك ينخفض الدخل، فعلى الرغم من أن البسطات توفر دخلاً مؤقتاً، إلا أن هذا الدخل غالباً ما يكون محدوداً وغير كافٍ لتأمين متطلبات المعيشة الأساسية. ومع تزايد أعداد البسطات تزيد معها التنافسية غير العادلة، فتتراجع أرباح كل منها، مما يجعل العمل فيها غير مجدٍ اقتصادياً.
التأثير السلبي الثاني اجتماعي ويتمثل بتفشي الفقر، وذلك نظراً لضعف العوائد المالية، حيث تستمر معاناة العاملين في هذه البسطات من الفقر، مما يؤدي إلى زيادة تدهور مستوى المعيشة. ويترافق مع ذلك استغلال العمالة، خاصة أن غالبية العاملين في البسطات ليسوا أصحابها الفعليين، بل يعملون بأجور متدنية جداً، ما يزيد من استغلال العمالة غير المنظمة.
التأثير السلبي الثالث عمراني وتنظيمي، يظهر بازدحام الشوارع وإعاقة الحركة المرورية، فالبسطات تتسبب في احتلال الأرصفة والشوارع الرئيسية، مما يؤدي إلى ازدحام كبير وصعوبة في حركة المشاة والمركبات. يضاف إلى ذلك زيادة في تشويه المنظر العام للمدينة، فالانتشار العشوائي للبسطات ينعكس سلباً على التنظيم العمراني. ولا يغيب بهذا الصدد أن البسطات تصبح عرضة للاستغلال التجاري غير المشروع، مثل التهريب أو بيع المنتجات غير المرخصة، وذلك نظراً لعدم خضوعها لإشراف رسمي وصعوبة تنظيمها ومراقبتها.

الحلول الممكنة

نعم هناك حلول ممكنة، لكنها متشابكة، ويجب أن يكون العمل عليها بالتوازي من قبل الحكومة، وذلك من خلال الآتي:
تنشيط القطاعات الاقتصادية التقليدية من خلال التركيز على إعادة إحياء القطاعات الصناعية والزراعية (العام والخاص)، فهذه القطاعات توفر فرص عمل دائمة ومستقرة.
دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع رواد الأعمال على إنشاء مشروعاتهم برعاية رسمية بدلاً من العمل العشوائي في الشوارع.
إصلاح السياسات الاقتصادية بحيث تحد من زج المزيد من العاطلين عن العمل في سوق البطالة، فمن المفترض أن تكون هناك سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة تراعي حجم البطالة الكبير وتوفر فرص عمل بديلة تتناسب مع احتياجات السوق.
أخيراً تنظيم عمل البسطات بدلاً من محاربتها بشكل مباشر، وذلك ضمن أسواق وأماكن محددة لتخفيف عشوائيتها وانفلاتها، وتخفيض الأثر السلبي على حركة السير والشكل الحضاري للمدينة، وبحيث تسهل مراقبتها وخاصة ناحية الاستغلال التجاري غير المشروع، مثل التهريب أو بيع المنتجات غير المرخصة.

الحل الجذري بفرص العمل المستدامة

إن انتشار البسطات في شوارع دمشق يعد انعكاساً واضحاً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
فرغم أنها أصبحت مصدر رزق للكثيرين، إلا أنها لا تقدم حلولاً حقيقية لمشكلة البطالة، بل تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي. ولذلك، فإن الحل الجذري لهذه الظاهرة يكمن في إعادة تنشيط الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل مستدامة، ودعم المشاريع الصغيرة التي تساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1213