التعرفة الجمركية الجديدة بين دعم الاقتصاد المحلي وإضعاف التنافسية الدولية... زيت الزيتون نموذجاً

التعرفة الجمركية الجديدة بين دعم الاقتصاد المحلي وإضعاف التنافسية الدولية... زيت الزيتون نموذجاً

تتواصل حالة الجدل في الأوساط الاقتصادية السورية حول التعرفة الجمركية الجديدة التي أقرّتها حكومة تسيير الأعمال، والتي تضمنت فيما تضمنت فرض رسوم تصدير على بعض المواد الغذائية الأساسية، ومنها زيت الزيتون.

هذه الرسوم التي تصل إلى 200 دولار لكل طن أثارت نقاشات حادة بين مؤيدين يرونها ضرورة لتعزيز إيرادات الدولة، ومعارضين يحذرون من آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني والتنافسية الخارجية للمنتجات السورية.

تأثير الرسوم على التنافسية الدولية

يُعد زيت الزيتون السوري من أبرز المنتجات الزراعية التي تحظى بسمعة عالمية، إذ يُزرع على مساحات واسعة في سورية ويُصدّر إلى دول عدة.
ومع فرض الرسوم التصديرية الجديدة المرتفعة، سيواجه المنتجون السوريون تحديات كبيرة أمام منافسين دوليين مثل إسبانيا، تونس، والمغرب، التي تقدم منتجات ذات جودة عالية معفاة من الضرائب، أو برسوم أقل.
وبهذا الصدد يرى نائب رئيس غرفة تجارة دمشق أن هذه الرسوم تقلل من جاذبية المنتج السوري في الأسواق الخارجية، مما يؤدي إلى تراجع الطلب عليه. ويخشى الكثيرون أن يتسبب ذلك في تصدير زيت الزيتون السوري عبر دول مجاورة مثل لبنان أو تركيا، ليُعاد تصديره بعلامات تجارية تحمل صفة «صنع في لبنان» أو «صنع في تركيا»، مما يضر بهوية المنتج الوطني وسمعته.

انعكاسات سلبية على الفلاحين والاقتصاد

يمثل الفلاحون العمود الفقري لقطاع إنتاج زيت الزيتون، وهم أوائل المتضررين من هذه القرارات.
فالرسوم الجمركية المرتفعة على التصدير ستؤدي إلى زيادة التكاليف وتقليص الأرباح، مما يجعل المزارعين أمام خيارين أحلاهما مر: إما خفض الإنتاج، أو اللجوء إلى أسواق غير رسمية (التهريب) لبيع منتجاتهم بأسعار أقل يتربح من خلالها بعض كبار الحيتان على حسابهم!
بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض معدلات تصدير زيت الزيتون سيُفقد الاقتصاد السوري جزءاً مهماً من عائدات العملات الصعبة، وهو ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على البلاد، في ظل الحاجة الماسة إلى دعم الاقتصاد المحلي وتنويع مصادر الدخل.

المواقف المتباينة

يرى المدافعون عن القرار من جهة أنه خطوة ضرورية لدعم خزينة الدولة وتحقيق توازن مالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. كما يعتبرون أن هذه الرسوم المرتفعة تُسهم في تقليص تهريب السلع وضمان توجيهها نحو السوق المحلية بأسعار مناسبة للمستهلكين السوريين.
ولكن من جهة أخرى، يعارض العديد من الاقتصاديين هذه الخطوة، معتبرين أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية، أهمها تراجع الصادرات السورية، وخسارة أسواق دولية تم بناؤها على مدار سنوات، مما يفاقم الأزمات الاقتصادية بدلاً من حلها.

التوازن المطلوب

لتحقيق توازن بين دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز التنافسية الدولية، ربما يمكن النظر في بدائل أكثر استدامة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات، مع توفير حوافز لتشجع المصدرين على الالتزام بالسوق الوطنية.
تحسين جودة زيت الزيتون السوري وتعزيز علامته التجارية عالمياً بما يجعله أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية.
دعم الفلاحين من خلال توفير مستلزمات الإنتاج وخفض تكاليف الإنتاج، وعبر منحهم قروضاً ميسرة وبعمولات مخفضة لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي بجودة عالية.
التفاوض مع الأسواق الخارجية لتوسيع فرص التصدير، بدلاً من تعقيدها بفرض رسوم إضافية.
الجدية بمكافحة التهريب.

استمرار النقاش بملف التعرفة

يبدو أن ملف التعرفة الجمركية الجديدة سيبقى محور نقاش مستمر في الأوساط الاقتصادية السورية، وذلك لأهميته ولتباين الآراء والمصالح حوله ومن خلاله.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن أي قرار يخص الرسوم والضرائب يجب أن يراعي توازناً دقيقاً بين تعزيز الموارد المحلية من جهة، ودعم التنافسية الدولية من جهة أخرى، وبين هذا وذاك ضمان المصلحة الوطنية.
على الطرف الآخر ومع وضع الفلاحين في قلب مثل هذه القرارات، يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات تدعم استدامة قطاع إنتاج زيت الزيتون كأحد ركائز الاقتصاد السوري، لكونه أولاً قطاعاً يغطي احتياجات الاستهلاك لمحلي، وثانياً لكونه تصديرياً بامتياز ويحظى بسمعة تنافسية دولية جيدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211