اتفاقات التجارة الحرة... انعكاسات اقتصادية وسلبيّات على الإنتاج الوطني!
أعلنت وكالة رويترز نهاية الأسبوع الماضي عن اتفاق بين وزارة التجارة التركية ومسؤولين سوريين لإعادة تحديد الرسوم الجمركية على بعض المنتجات، بالإضافة إلى إعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
هذا الإعلان أثار الكثير من التساؤلات والتحفظات على المستوى المحلي، وخاصة حول تداعيات هذا الاتفاق على الاقتصاد الوطني، وتأثير التعرفة الجمركية الموحدة التي أصدرتها حكومة تسيير الأعمال في سورية.
التعرفة الجمركية وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية
كانت الرسوم الجمركية في المعابر الحدودية مع تركيا منخفضة نسبياً، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري من خلالها بين البلدين خلال السنوات الماضية. لكن مع توحيد الرسوم الجمركية بين جميع المعابر الحدودية السورية مؤخراً، ارتفعت التكاليف بشكل ملحوظ، وبالتالي شكّل هذا الارتفاع ضرراً مباشراً على الاقتصاد التركي، الذي كان يعتمد على تدفق السلع إلى الأسواق السورية بتكاليف تنافسية.
وفي ظل هذه التغييرات، يبدو أن تركيا تسعى إلى إعادة التفاوض على الرسوم الجمركية، بهدف الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع سورية.
وكذلك ربما من المتوقع أن يمتد هذا الجدل والتفاوض إلى دول أخرى لها علاقات تجارية قوية مع سورية، كتوسيع تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة لتشمل الدول عربية.
إعادة تفعيل اتفاقية التجارة الحرة فرصة أم تهديد؟
تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين سورية وتركيا حالياً، أو بين سورية والدول العربية لاحقاً، قد يحقق بعض الفوائد الاقتصادية على المدى القصير، مثل خفض تكاليف الاستيراد وزيادة توافر السلع المستوردة في السوق السورية.
ومع ذلك، هناك مخاوف جدية تتعلق بالتأثير السلبي لهذه الاتفاقية، وخاصة على الصناعات المحلية والإنتاج الوطني، ومنها:
زيادة المنافسة على حساب المنتجات المحلية، فإعفاء السلع التركية أو غيرها من الرسوم الجمركية أو خفضها بشكل كبير سيؤدي إلى دخول منتجات بأسعار منخفضة إلى السوق السورية، وهذه المنتجات ستنافس بشكل غير عادل الصناعات المحلية، التي تواجه بالفعل تحديات كبيرة تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الدعم الحكومي.
زيادة إضعاف القطاعات الإنتاجية الوطنية، فالصناعات السورية التي بدأت تتعافى بعد سنوات من الحرب، قد تجد نفسها عاجزة عن مواجهة التدفق الكبير للمنتجات الأجنبية، وهذا الوضع سيؤدي إلى خسائر كبيرة للمصانع المحلية، وقد يتسبب في إغلاق بعضها، مما يزيد من معدلات البطالة ويقلل من الإيرادات الضريبية للحكومة.
زيادة الاعتماد على الاستيراد، فإعادة تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة قد تعزز من اعتماد سورية على الاستيراد بدلاً من دعم الإنتاج المحلي، وهذا النهج سيؤدي بالنتيجة إلى نزيف اقتصادي طويل الأمد، حيث ستخرج العملة الصعبة من البلاد بشكل مستمر لشراء السلع المستوردة.
التأثير السلبي على الأمن الغذائي والصناعي، ففتح الأسواق دون قيود قد يؤثر على الأمن الغذائي والصناعي للبلاد، حيث يضعف الاستثمار في الزراعة والصناعة المحلية، مما يجعل سورية بالمحصلة أكثر عرضة للصدمات الخارجية وتقلبات الأسواق العالمية.
أخيراً الانعكاسات السلبية على الاقتصاد الوطني، فعلى الرغم من أن تخفيض الرسوم الجمركية قد يوفر بعض المكاسب قصيرة المدى، إلا أن الآثار السلبية على المصلحة الوطنية قد تكون أكثر عمقاً واستدامة، فالتوسع في تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة دون حماية كافية للإنتاج المحلي سيعرض الاقتصاد الوطني إلى مخاطر كبيرة، مثل العجز التجاري، وانخفاض الإيرادات الجمركية، وتدهور القدرة التنافسية للصناعات الوطنية.
تعزيز الإنتاج وتقليل الاعتماد على الاستيراد
واقع الحال يقول إن على حكومة تسيير الأعمال الحالية، أو الحكومة الانتقالية القادمة باعتبارها ذات الصلاحية المشروعة بهذا الشأن، مراجعة التعرفة الجمركية بعناية لضمان التوازن بين تسهيل التجارة وحماية الإنتاج المحلي، وصولاً إلى الموازنة الحدّية بين الانفتاح الاقتصادي وحماية الإنتاج الوطني، مع توفير حوافز مالية وضريبية للمصانع المحلية لتحسين قدرتها التنافسية أمام المنتجات المستوردة، والتأكيد على ضمان جودة المنتجات المستوردة ومنع الإغراق السلعي الذي يضر بالصناعات الوطنية، بالتوازي مع تعزيز الرقابة على الأسواق.
ولعل الأهم من كل ما سبق أن تحقق الاتفاقيات التجارية بين سورية وأي دولة، مصالح متوازنة للطرفين، بدلاً من أن تكون على حساب الاقتصاد الوطني.
فاتفاقيات التجارة الحرة وخفض الرسوم الجمركية قد تساهم في تنشيط التبادل التجاري، لكن بالمقابل يجب أن تكون هناك سياسات واضحة لحماية الصناعات المحلية وضمان عدم الإضرار بالمصلحة الوطنية.
فالاقتصاد السوري يحتاج إلى استراتيجية تنموية متوازنة تركز على تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لضمان نمو مستدام واستقلال اقتصادي على المدى الطويل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1211