إنهاء دور المصرف المركزي بالتحكم بالقطع الأجنبي وبعض نتائجه الكارثية!
أصدر مصرف سورية المركزي قراراً أوقف من خلاله قبول أو تجديد الودائع بالقطع الأجنبي للمصارف العاملة في سورية، إلى جانب إيقاف إصدار نشرة معدلات الفائدة على تلك الودائع.
يحمل هذا القرار أبعاداً كبيرة وكارثية على عدة مستويات، سواء فيما يتعلق بدور المصرف المركزي الهام في إدارة القطع الأجنبي، أو تأثيره على قيمة الليرة السورية والاقتصاد عموماً.
تجيير مهام التحكم والتنظيم للمصارف العاملة
تعتبر الودائع بالقطع الأجنبي أداة فعالة للمصرف المركزي للتحكم بالسيولة الأجنبية، وضمان توافر احتياطي نقدي منها يدعم استقرار سعر الصرف، وإلغاء هذا الدور بموجب القرار أعلاه سيقلل من سيطرة المصرف المركزي على هذا الجانب، ويحد من قدرته على استقطاب العملات الأجنبية من المصارف العاملة، وهو ما يعني بالنتيجة إنهاء دور المصرف المركزي كمنظم رئيسي لتدفق العملات الأجنبية، وبالتالي التحكم بالقطع الأجنبي.
فالقرار أعلاه سيُجيّر جزءاً هاماً من دور المصرف المركزي إلى المصارف العاملة، فمع توقف قبول الودائع بالقطع الأجنبي من قبل المصرف المركزي ستتحمل هذه المصارف المسؤولية الأكبر على مستوى إدارة العملات الأجنبية المتاحة لديها، مع ضعف التنسيق بينها وبين المركزي في إدارة التدفقات النقدية وتنظيمها.
بعض النتائج الكارثية!
قد يتوهم البعض أن هذا الإجراء يمكن أن يسهم في تخفيف التزامات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية في ظل انخفاض احتياطياته، وسيفسح المجال للتحكم بالمضاربات في سوق القطع الأجنبي وكبحها بشكل أكبر، لكن بالمقابل فإن غياب دور المصرف المركزي في إدارة الودائع وتنظيمها سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على السوق السوداء، مما يساهم في زيادة تقلبات سعر الصرف بالمحصلة.
فغياب الإدارة المركزية لودائع العملات الأجنبية وتنظيم تدفقها من قبل المصرف المركزي، قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار والعملات الأجنبية الأخرى في السوق الموازية، أي ارتفاع الضغوط على سعر الصرف، مما يرفع من قيمة العملات الأجنبية مقارنة بالليرة السورية بالنتيجة!
فالقرار أعلاه سيؤدي إلى تراجع المعروض من العملات الأجنبية في النظام المصرفي الرسمي، مما يوسع الفجوة بين العرض والطلب، ويزيد من الضغط على الليرة.
كما أن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية سيؤثر مباشرة على أسعار السلع والخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة تآكل القوة الشرائية للمواطنين.
على الجانب الآخر فإن تراجع قدرة المصرف المركزي على إدارة الاحتياطات الأجنبية سيضعف الثقة في النظام المالي من قبل المواطنين والمستثمرين على السواء، مما يدفع بهؤلاء إلى البحث عن بدائل استثمارية خارج القطاع المصرفي.
فعدم قدرة المصارف العاملة على منح عوائد على ودائع العملات الأجنبية سيشجع المستثمرين المحليين على تهريب رؤوس أموالهم إلى الخارج، ويثني المستثمرين الأجانب عن الدخول إلى السوق السورية، أي انخفاض وتراجع الاستثمارات.
ومع تراجع التدفقات النقدية الأجنبية إلى المصرف المركزي سيزداد العبء على المالية العامة، وبالتالي قد يتم الاضطرار إلى البحث عن مصادر أخرى لتغطية العجز، مثل طباعة العملة أو غيرها من الإجراءات، مما يزيد من التضخم ويضعف قيمة الليرة أكثر.
غياب الخطوات الموازية والمخاطر على الاستقرار النقدي!
باختصار يمكن القول إن قرار مصرف سورية المركزي يشير إلى إعادة هيكلة السياسة النقدية، مع تحول كبير في استراتيجيته لإدارة النقد الأجنبي، لكنه يحمل في طياته مخاطر على استقرار الليرة والاقتصاد ككل، خاصة مع غياب خطوات موازية لتعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمار بالليرة السورية، وضبط الأسواق المالية والسوق الموازية، لضمان فعاليته بالحد الأدنى.
فالاستقرار النقدي والاقتصادي يتطلب رؤية شاملة تتجاوز القرارات الفردية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون تعميق الأزمة، وصولاً إلى تعزيز الاعتماد على الليرة السورية كأداة رئيسية للتداول والادّخار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1211