التربية... إلغاء نظام تحديد مركز العمل وتداعياته السلبية!

التربية... إلغاء نظام تحديد مركز العمل وتداعياته السلبية!

أصدر وزير التربية في حكومة تسيير الأعمال قراراً يقضي بإلغاء العمل بنظام تحديد مركز العمل، وفَرض على الكوادر التعليمية وضع أنفسهم تحت تصرف مديرياتهم الأصلية خلال مدة لا تتجاوز نهاية امتحانات الفصل الدراسي الأول، مع إتاحة تقديم طلبات نقل مشروطة بموافقة المديرية الأصلية والمديرية المستقبِلة.

هذا القرار، وبغض النظر عن قانونيته وتوقيته والزمن الملزم لتنفيذه، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية، نظراً لتداعياته السلبية على الكوادر التدريسية وأفراد أسرهم، إضافة إلى التأثيرات العميقة على استقرار العملية التعليمية نفسها.

التأثيرات السلبية على الكادر التدريسي وأسرهم

في البداية تجدر الإشارة إلى ضيق الهامش الزمني للتنفيذ، فالمعلمون سيعانون من ضغوط هائلة لتنفيذ القرار خلال الفترة الزمنية القصيرة المحددة، ولا سيما أن الكثير منهم يرتبطون بمسؤوليات أسرية وعائلية لا يمكن تكييفها بسهولة مع متطلبات الانتقال إلى محافظة أخرى.
الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية هو الأعباء المالية والاجتماعية المترتبة على الانتقال إلى محافظة أخرى، فالتكاليف المادية اللازمة كبيرة، فهي تشمل النقل والإقامة بالحد الأدنى، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على المدرسين الذين يعانون أصلاً من ضغوط اقتصادية ومعيشية شديدة.
يضاف إلى ما سبق التأثير السلبي على استقرار أسر الكادر التدريسي، حيث سيضطر أفراد عائلات المدرسين، خاصة الأطفال، إلى تغيير مدارسهم وأماكن إقامتهم، مما يخلق حالة من التشتت وعدم الاستقرار الأسري.
ختام التأثيرات السلبية تتمثل بالضغط النفسي والمعنوي على المدرسين، وخاصة الشعور بالإحباط وانعدام الأمان الوظيفي، في ظل غياب الضمانات الكافية بشأن الاستقرار الوظيفي أو مراعاة الظروف الفردية.

التأثيرات على المدارس والعملية التعليمية

يؤدي نقل الكوادر التدريسية بشكل مفاجئ إلى خلل كبير في استقرار المدارس، حيث ستواجه بعض المدارس نقصاً مفاجئاً في الكوادر، بينما ستعاني مدارس أخرى من فائض لا يمكن استيعابه في المدى القريب.
حالة عدم الاستقرار هذه ستخلق فجوات تعليمية للطلاب، حيث سيضطرون إلى التأقلم مع معلمين جدد في منتصف العام الدراسي، مما يؤثر سلباً على استمرارية التحصيل العلمي، وبالتالي مزيد من التراجع في جودة التعليم.
ستحتاج المديريات إلى وقت كبير لتنظيم الكوادر وتوزيعها بشكل عادل ومنطقي، مما سيؤدي إلى فوضى في بداية الفصل الدراسي الثاني، وبالتالي إرباك في خطط التوزيع المدرسي.
نقص الكوادر التدريسية مشكلة مزمنة في سورية، ويأتي هذا القرار ليزيد من حدتها، حيث سيواجه النظام التعليمي تحديات إضافية في تلبية احتياجات المدارس، ما يعني تعمق مشكلة نقص الكوادر التدريسية أكثر من قبل.
سيحتاج المعلمون والإدارات إلى وقت طويل لإعادة تنظيم العملية التعليمية، مما يُضيع جزءاً كبيراً من الفصل الدراسي الثاني على عمليات تنظيمية بدلاً من التركيز على التعليم، وهذا يعني بكل بساطة إهداراً للموارد وللوقت.
الضغوط المتزايدة ستؤدي إلى فقدان المعلمين الحافز للعمل، مما ينعكس سلباً على أدائهم في الصفوف الدراسية.
ولا شك هناك الكثير من السلبيات الأخرى أيضاً، لكن سنختم بالإشارة إلى حال الاستياء والاحتقان المجتمعي المتزايد، الذي قد لا يقف تجليه عند أشكال الاعتصامات والمظاهرات فقط!

إعادة النظر بالقرار ضرورة

إن قرار إلغاء نظام تحديد مركز العمل جاء في وقت يواجه فيه النظام التعليمي السوري سلفاً من تحديات كبيرة على مستوى الموارد البشرية والبنية التحتية، بالإضافة إلى ضيق الهامش الزمني لتنفيذه بما يتيح للكوادر التدريسية والمديريات التكيف مع متغيراته الجديدة.
فعلى الرغم من أن الهدف المستشفّ من القرار هو تحسين إدارة الكوادر التدريسية، إلا أن التنفيذ المتسرع له قد يؤدي إلى نتائج عكسية تماماً، سواء على مستوى استقرار المعلمين أو على مستوى جودة التعليم، خاصة وأن من يشملهم مضمونه يقارب عددهم نحو 23 ألف معلم بحسب حديث وزير التربية!
لذا، فإن معالجة مضمون وغاية مثل هكذا قرار تتطلب دراسة متأنية تراعي الاحتياجات الواقعية للكوادر التعليمية والعملية التربوية بشكل عام، مع الأخذ بعين الاعتبار ضمناً حل مشكلة نقص الكوادر بشكل جذري، بدلاً من إعادة توزيعها وتدوير زواياها، وربما من المجدي كذلك توفير الدعم المالي والمعنوي للمدرسين الذين يُطلب منهم الانتقال أيضاً.
على ذلك فإن إعادة النظر في القرار يبدو ضرورياً وهاماً، ليس من أجل إعادة التقييم بناءً على الاحتياجات الفعلية لكل مديرية فقط، بل ولتجنب انتقالات غير ضرورية مع ما يرافقها من زيادة في الأعباء الإدارية والضغوط المادية والمعنوية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211