التعليم العالي المجاني حقّ طبيعي مصون أم حلم يصعب الوصول إليه؟!
عانى التعليم بمختلف مراحله، كغيره من القطاعات الأساسية، من كوارث سياسات الحكومة الساقطة، وانعكاس هذه الكوارث على الواقع التعليمي وإمكانية وصول الطلاب إلى فرص تعليم تليق بهم وتلبي طموحاتهم.
فسياسات تخفيض الإنفاق العام على التعليم العالي مستمرة منذ عام 2010، حيث انخفض الإنفاق العام على التعليم العالي بين عامي 2010 و 2022 بنحو 85%، من 623 مليون دولار، إلى 90,7 مليون دولار، والبديل كان استنزاف جيوب الطلاب، سواء من ناحية زيادة الرسوم الجامعية بشكل مباشر، أو من خلال إدارة توزيع الطلاب بين أنظمة التعليم عبر سياسات الاستيعاب الجامعي والمفاضلات السنوية ومعدلات القبول الجامعي، التي أدت بالنتيجة إلى تخفيض أعداد طلاب التعليم العام (المجاني) مقابل زيادة أعداد طلاب التعليم الموازي والمفتوح (المأجورين) عاماً بعد آخر!
مؤخراً أكد وزير التعليم العالي بحكومة تسيير الأعمال، الدكتور عبد المنعم عبد الحافظ، بحديث له قبل أيام أنه: «ستتم إعادة هيكلة الجامعات وإعادة النظر في الرسوم الجامعية بشكل يتناسب مع الواقع والإمكانات والحاجات، على أن يشمل ذلك كل الجامعات السورية»، وأشار الى أنه: «ستتم دراسة رواتب الأساتذة في الجامعات لرفعها بما يليق بمكانتهم».
بداية لا بد من تأكيد أهمية وضرورة زيادة الرواتب لأساتذة الجامعات وأعضاء الهيئات التدريسية فيها بما يليق بمكانتهم وإمكانياتهم المعرفية والفكرية، ودورهم في تدريس الطلاب وتأهيلهم وإعدادهم، إلا أنه لا بد من لفت النظر إلى الطرف الآخر من العملية التعليمية وهم الطلاب أنفسهم، وإمكانية وصولهم إلى الجامعات لاستكمال تحصيلهم العلمي العالي كحق مشروع، خاصة وأن حديث الوزير أعلاه عن «إعادة النظر في الرسوم الجامعية» قد يعني بالترجمة العملية فرض زيادة عليها، وبمختلف أنظمة التعليم الحكومي (العام، الموازي، المفتوح، الافتراضي)، إذا ما تم ربط ذلك بنهج الحكومة الحالية المعلن عن إنهاء الدعم والخصخصة المباشرة وغير المباشرة، بالتوازي مع حديث الوزير عن «الواقع والإمكانيات والحاجات»!
فالاستمرار بسياسات زيادة الرسوم السنوية في أنظمة التعليم، سواء العام المجاني أو غيره من أنظمة التعليم الحكومي المأجورة، بالتوازي مع الاستمرار بسياسات إنهاء الدعم على هذا القطاع الحيوي والهام، وتكريس تخفيض الإنفاق العام عليه لمستويات إضافية، سيعني بالضرورة تحول فرص التعليم العالي المجاني من حق طبيعي وأساسي مصون دستوراً وقانوناً للطلاب السوريين كافة بعيداً عن أي تمييز طبقي، إلى حلم يصعب الوصول إليه، خاصة لأبناء المفقرين والمعدمين والمثقلين معيشياً، وهم الغالبية العظمى من أبناء الشعب السوري، الذين لم يختلف الأمر بالنسبة إليهم عمّا كان عليه الوضع سابقاً أيام السلطة الساقطة، حيث يبدو أن سياسات طبقية التعليم، وحكر الوصول إليه على أبناء الطبقة الثرية وأصحاب المال ستبقى مستمرة على أيدي حكومة تسيير الأعمال الحالية، بالضد من مصلحة الطلاب والسوريين والمصلحة الوطنية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1211