انعكاسات التسريح التعسفي على الظواهر السلبية والواقع الاجتماعي

انعكاسات التسريح التعسفي على الظواهر السلبية والواقع الاجتماعي

مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بسورية نتيجة الحرب والصراع المستمر منذ سنوات، اتخذت حكومة تسيير الأعمال قرارات تستهدف ما تسميه «محاربة البطالة المقنعة والفساد» داخل مؤسسات الدولة والجهات العامة.

إلا أن هذه القرارات أدت إلى تسريح مئات الآلاف من الموظفين والمتعاقدين بشكل تعسفي، مما زاد من تعقيد الأزمة الاقتصادية وساهم في تفاقم ظواهر اجتماعية خطِرة.
فما هي الانعكاسات السلبية لهذه الإجراءات؟ وكيف تؤثر على المجتمع والسلوكيات والظواهر السلبية فيه؟
إن زج أعداد كبيرة من الموظفين والمتعاقدين وغيرهم إلى سوق عمل يعاني من الركود أصلاً أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، ومع غياب فرص العمل، وجد الكثير من الأفراد أنفسهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وبالتالي ارتفعت معدلات البطالة والفقر في البلاد.
هذا الفقر المتزايد قد يدفع البعض إلى اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لتأمين الدخل، مما سيزيد من تفشي الجرائم المرتبطة بالاحتياجات الاقتصادية، مثل السرقة والنهب.
فمع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ارتفعت بشكل ملحوظ معدلات الجرائم، مثل السلب والنهب وتجارة الممنوعات، وحتى الخطف من أجل الفدية، وصولاً إلى القتل في بعض الحالات!
إن هذه الظواهر الاجتماعية السلبية هي انعكاس مباشر لحالة العوز واليأس التي بات يعاني منها الكثير من الأفراد الذين فقدوا مصادر دخلهم، ففي ظل غياب الأمان الاقتصادي وسلطة القانون القوي، باتت هذه الجرائم تُمارس كوسيلة للبقاء بالنسبة للبعض بكل أسف!
فمع غياب الوظائف وفرص العمل المشروعة، لجأ البعض إلى السوق السوداء أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة كتهريب السلع أو تجارة المواد الممنوعة. وهذه الأنشطة لا تهدد فقط الأمن الاقتصادي، بل تؤدي إلى خلق اقتصاد موازٍ يزيد من التدهور الاقتصادي.
فالقرارات المفاجئة، التعسفية وغير المدروسة، أدت إلى تفاقم شعور المواطنين بالظلم، وزادت من فقدان الثقة بالمؤسسات الحكومية، ومع تنامي الإحساس بالعجز، تصاعدت النزاعات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، بل وحتى داخل العائلات، حيث أصبحت الضغوط الاقتصادية سبباً رئيسياً للشجارات اليومية والطلاق والعنف الأسري، مع زيادة التوترات المهددة بانهيار النسيج الاجتماعي.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن التسريح التعسفي الجماعي شمل في كثير من الأحيان موظفين ومتعاقدين ذوي خبرات طويلة وكفاءات عالية، وهذا الأمر لا يضر فقط بالأفراد أنفسهم، بل يضعف مؤسسات الدولة التي كانت تعتمد على خبراتهم، مما سيزيد من تدهور الخدمات العامة.
وبهذا الصدد لا بد من الإشارة أيضاً إلى الأثر النفسي والاجتماعي لهذه الظواهر السلبية التي تمتد إلى الأجيال الشابة التي تنشأ في البيئة غير المستقرة اقتصادياً واجتماعياً.
فالشباب الذين يرون آباءهم يعانون من البطالة، أو ينخرطون في أعمال غير مشروعة، قد يفقدون الأمل في المستقبل مجدداً، مما يؤدي إلى انخراطهم في المسار نفسه، أو إعادة إحياء التفكير بالهجرة الجماعية بحثاً عن فرص أفضل.
وبكل اختصار يمكن القول إن محاربة البطالة المقنعة والفساد لا ينبغي أن تتم على حساب أمن واستقرار المجتمع.
فالإجراءات المتسرعة وغير المدروسة تؤدي إلى آثار سلبية تمتد لتشمل مختلف جوانب الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، مما يتطلب مراجعة شاملة للسياسات المتبعة وتبني نهج أكثر عدالة ومرونة.
فاستقرار المجتمع يعتمد على توفير الأمن الاقتصادي وفرص العمل التي تحمي الأفراد من اللجوء إلى السلوكيات السلبية والمدمرة، وهذه من أولى أولويات أي حكومة وطنية كما يفترض!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211