إنهاء السورية للتجارة بجرة قلم غير مشروعة!

إنهاء السورية للتجارة بجرة قلم غير مشروعة!

اتخذت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً يتضمن الغاء «السورية للتجارة» بذريعة الحد من الهدر والفساد!
قبل الخوض في التفاصيل تجدر الإشارة إلى أن مثل هذا القرار ليس من صلاحية الوزارة، بل ليس من صلاحية حكومة تسيير الأعمال نفسها، وهو على ذلك تعدٍّ مزدوج على الصلاحيات وتجاوز كبير لها!

وعن بعض التفاصيل فقد نُقل عن وزير التجارة الداخلية في حكومة تسيير الأعمال قوله إن «جميع حقوق المتعاقدين مع (السورية للتجارة) محفوظة مهما بلغت ويتم العمل على تسديد مستحقاتهم بشكل تدريجي، ليس لدينا غاية بضرر أحد بل مهمتنا إعادة الحقوق لأصحابها ضمن المستطاع، ومن لديه بضائع ضمن المؤسسة فيمكنه استردادها وبيعها في الأسواق كحل جزئي، أو ينتظر إلى حين تسديد قيمتها عند توفر السيولة النقدية».
حديث الوزير أعلاه فيه تطمينات لأصحاب الحقوق من التجار المتعاقدين مع السورية للتجارة، لكن ماذا عن حقوق العاملين في هذه المؤسسة، وماذا عن دورها المفترض على مستوى التجارة الداخلية الذي تم تجاوزه كلاً، وماذا عن حقوق الدولة في ملكياتها؟!

مؤسسة عملاقة يفترض حسن استثمارها

السورية للتجارة لديها أكثر من 1100 صالة ومنفذ بيع منتشرين في كل المحافظات والمدن والبلدات والقرى، بالإضافة إلى المستودعات التخزينية ووحدات التبريد وأسطول من السيارات، كما يعمل بهذه المؤسسة آلاف العاملين الموزعين على الفروع والصالات والمنافذ على طول الجغرافية السورية، وأرقام الأعمال السنوية لهذه المؤسسة العملاقة تقدر بمئات المليارات من الليرات، وتحقق أرباحاً بعشرات المليارات بعد تغطية تكاليفها، على الرغم من حصص النهب والفساد!
وللتذكير فإن هذه المؤسسة تم إحداثها في عام 2017 بدمج كل من: المؤسسة العامة الاستهلاكية- والمؤسسة العامة للخزن والتسويق- والمؤسسة العامة لتوزيع المنتجات النسيجية، وكل من هذه المؤسسات كانت تخصصيّة تُعنى بشكل خاص بتجارة الجملة، بالإضافة إلى دورها على مستوى تجارة التجزئة.
فقد كان من المفترض مثلاً بحسب مرسوم إحداث مؤسسة الخزن والتسويق أن تكون تاجر الجملة العملاق للخضار والفواكه واللحوم على مستوى القطر، لتحد من تغول تجار أسواق الهال واستغلالهم، خاصة مع امتلاكها وحدات التبريد الخاصة بها للتخزين عند تراجع الطلب وإعادة التوزيع عند زيادته، وكذلك كان من المفترض أن تكون المؤسسة العامة الاستهلاكية تاجر الجملة العملاق للمواد والسلع الأساسية، وخاصة الغذائية، مثل السكر والرز والزيت والشاي والمعلبات، استيراداً وتوزيعاً وبيعاً، سواء عبر صالاتها مباشرة أو من خلال تجار الجملة ونصف الجملة وباعة المفرق. لكن كل هذه المهام الاستراتيجية العامة تم إجهاضها من خلال عملية الدمج باسم السورية للتجارة، ثم من خلال تقويض عملها تباعاً خلال السنوات الماضية، وصولاً الآن إلى قرار إنهائها!
فهذه المؤسسة العملاقة كان من الممكن حسن استثمار توزعها الجغرافي على مستوى التجارة الداخلية، جملة ونصف جملة ومفرق، بعد تخليصها من معيقات عملها ومن أوجه الفساد المتغلغل بها، وإعادة الاعتبار لمرسوم إحداثها الذي يخولها بهذه المهام، بدلاً من إنهائها على عجل، وكأنها حجر عثرة وعبء لا يمكن تجاوزه إلا بهذا الشكل!
فالتضحية بهذه المؤسسة بهذا الشكل العاجل يمثل خسارة كبيرة للدولة على مستوى تجارة الجملة ونصف الجملة والمفرق للخضار والفواكه واللحوم والسلع الأساسية، بالإضافة إلى آثاره السلبية المباشرة على مستوى حقوق العاملين فيها الذين باتوا مجهولي المصير، فبعضهم سيُدفع إلى البطالة مباشرة، والبعض الآخر سينقل إلى جهات عامة أخرى للتطفيش لاحقاً، أي مزيد من العاطلين عن العمل بهذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة!

مصلحة كبار أصحاب الأرباح

على الجانب الآخر فإن إنهاء المؤسسة يعتبر خدمة جليلة لشريحة كبار أصحاب الأرباح من التجار والمستوردين وتجار أسواق الهال واللحوم، ليس لدور المؤسسة التنافسي والهام مع بعضهم في السوق المحلي فقط، بل لكون هؤلاء سيكونون أوائل المستفيدين من الصالات الكبيرة لهذه المؤسسة، وخاصة في مراكز المدن وفي أسواقها الرئيسية، فهذه الصالات قابلة للاستثمار من قبلهم، وربما سيتم فسح المجال لهم لاستثمارها من قبل حكومة تسيير الأعمال، إن لم نقل ببيعها ونقل ملكيتها إلى هؤلاء، لتصبح الخسارة مضاعفة على مستوى الدور التجاري العملاق المفترض، وعلى مستوى استثمار الملكيات!
على ذلك فان القرار المتسرع وغير المشروع بإنهاء السورية للتجارة يمكن اعتباره بالضد من مصلحة الدولة والمؤسسة والعاملين فيها، بالإضافة إلى أنه بالضد من المصلحة الوطنية، فهو يصب بمصلحة بعض كبار الحيتان فقط لا غير!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1208