سياسات الانفتاح الاقتصادي المجرّبة التي تذكرنا بالدردرية المقيتة
معن الأمير معن الأمير

سياسات الانفتاح الاقتصادي المجرّبة التي تذكرنا بالدردرية المقيتة

على ضوء توضح توجهات حكومة تسيير الأعمال الحالية بتبني سياسات السوق الحر، والبدء بخطوات متسارعة من النقطة التي انتهت عندها السلطة الساقطة بالمجال الاقتصادي، وخاصة على مستوى إنهاء الدعم وتحرير الأسعار والأسواق، أطل الدردري مجدداً، بحكم موقعه في الأمم المتحدة هذه المرة، ليتصدر المشهد الاقتصادي السوري، مع حزمة جديدة من «الإصلاحات الاقتصادية» تتناسب مع عناوين المرحلة الحالية.

فقبل وصوله إلى دمشق بيومين عقد الدردري اجتماعاً مع رجال الأعمال السوريين في الإمارات، وحثهم على الاستثمار بقطاعات الكهرباء والمياه والتعليم وغيرها، ووعدهم بفرص استثمار بهذه القطاعات تصل قيمتها 100 مليار دولار.
وبتاريخ 29/12/2024 عقد اجتماعاً مع وزير الكهرباء المؤقت السيد عمر شقروق لبحث واقع الكهرباء، وبعدها بيومين بتاريخ 31/12/2024 التقى السيد أحمد الشرع، ولكن لم يرشح أية تفاصيل عن مضمون ومخرجات هذا اللقاء.
وعلى اعتبار أن السياسات الاقتصادية لحكومة تسيير الأعمال الحالية لا تختلف من حيث الجوهر عن سياسات الدردري والسلطة الساقطة، والتي ساهمت بشكل مباشر بإفقار العباد وإضعاف البلاد، نعيد التذكير ببعض النتائج الكارثية من واقع الأرقام المحققة للخطة الخمسية العاشرة التي امتدت من عام 2006 إلى عام 2010، والتي كان الدردري العرّاب الفعلي لها، بعنوانها الرئيسي التحول نحو الاقتصاد الحر والمفتوح، تحت مسمى «اقتصاد السوق الاجتماعي».

على صعيد الإنتاج المحلي

كان أبرز أهداف الخطة النظرية تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة بالاعتماد على القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة الكبيرة على حساب القطاعات الريعية، ولكن نتائج الخطة توضح حجم الضرر الذي لحق بقطاعات الإنتاج الحقيقي (الزراعي والصناعي- العام والخاص).
فقد انخفض الناتج المحلي الزراعي بنسبة 10% تقريباً، وانخفضت مساهمة القطاع الزراعي بالناتج المحلي من 23% في العام 2005 إلى 16% في العام 2010.
أما على مستوى الصناعة فقد انخفضت مساهمة القطاع الصناعي من 25% إلى 24% من الناتج المحلي بين العامين.
كذلك انخفضت نسبة الصادرات الصناعية من إجمالي التجارة الخارجية من 46% إلى 41% خلال هذه السنوات.
أما بالنسبة للقطاعات الخدمية، مضمونة وسريعة الربح، فقد حققت ازدهاراً غير مسبوق خلال هذه الفترة، حيث تراوحت نسب النمو بين مختلف القطاعات بين 50% و90% تقريباً.

على صعيد الفقر والبطالة

ركزت الخطة نظرياً على محاباة الفقراء، بالحديث عن سياسات عادلة لتوزيع الدخل تهدف إلى تخفيض نسبة الفقر من 30 الى 20% بنهايتها، ولكن واقع الأمر يشير إلى أن الخطة كانت معادية للفقراء، فقد ساهمت بتفقيرهم أكثر وأكثر، حيث ارتفعت نسبة الفقر إلى 44% بنهاية العام 2010.
إضافة إلى ذلك سعت الخطة نظرياً إلى رفع مستويات تشغيل القوى العاملة، باعتبار الاستثمار بالموارد البشرية أحد أهم عناوينها، ولكن أيضاً على العكس من التنظير فإن الواقع الفعلي يشير إلى ارتفاع نسبة البطالة من 8,1% في عام 2005 إلى 8,6% في عام 2010 وفقاً للأرقام الرسمية للسلطة الساقطة، علماً أن التقارير الأممية تشير إلى أن نسبة البطالة وصلت إلى أكثر من 20% بنهاية العام 2010.

على صعيد التضخم والأجور

تجاوز معدل التضخم التراكمي خلال سنوات الخطة 42% بمجمل السلع والخدمات، وبالنظر إلى السلع والخدمات الأساسية للأسرة السورية نجد أن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة تتراوح بين 50% و72%، أما بالنسبة للكهرباء والغاز والوقود فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 104,4%، والتعليم 68,23%، والصحة 29,57%، والنقل 72,66%.
أما على مستوى الأجور فقد ارتفعت خلال هذه الفترة بنسبة 20% فقط، وبالتالي فإن قيمتها الشرائية الفعلية بالمقارنة مع الارتفاعات السعرية والتضخم انخفضت بنسبة 15% تقريباً، وهذا ساهم بزيادة نسبة الفقراء الذين وضعت الخطة النظرية لمحاباتهم!

سياسات الإفقار والتهميش

ما يعنينا بعد استعراض الأرقام أعلاه، وهي جزء بسيط وصغير، ودون الخوض بأرقام سني الحرب والأزمة التي فاقمت الوضع أضعافاً مضاعفة عمّا كانت عليه في عام 2010، هو التأكيد على أن العناوين النظرية الفضفاضة لسياسات التحرير والانفتاح الاقتصادي، ووصفاتها التجميلية التي تسوقها حكومة تسيير الأعمال الحالية، لن تكون بنتائجها على واقعنا الاقتصادي والمعيشي أفضل حالاً عن سابقتها، بل أكثر كارثية بأشواط، فهي بكل اختصار سياسات إفقار وتهميش من طرف، وإضعاف للإنتاج ولدور الدولة من طرف آخر، ولعل المؤشرات الأولية لإنهاء الدعم دليل على ذلك، فقد خسرت كل أسرة حتى الآن ما يقارب 1,000,000 ليرة لقاء فروقات أسعار الخبز والغاز المنزلي والمواصلات فقط، فكيف سيكون عليه حال المفقرين بعد ذلك إلا الدفع بهم إلى المزيد من الإفقار والتهميش؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1208
آخر تعديل على الأحد, 05 كانون2/يناير 2025 22:08