مؤسسات الدولة المتهالكة والدور الوطني المطلوب
تنتصب أمام أول حكومة شرعية قادمة، وربما الحكومات المتعاقبة القادمة، وليس حكومة تسيير الأعمال الحالية محدودة الصلاحيات، مهمة وطنية ملحة لإعادة بناء مؤسسات الدولة المتهالكة، كي تستعيد دورها ومهامها المفترضة، لتعزيز قوة الدولة واستقلالها وسيادتها.
فالعملية معقدة وتتطلب تخطيطاً استراتيجياً ورؤية واضحة متوافق عليها وطنياً، وليس بعض الإجراءات على مستوى إعادة هيكلة بعض المؤسسات أو إنهاء بعضها، أو من خلال إعادة توزيع الكادرات الوظيفية مع التخلي عن بعضها، كما هو الحال من خلال ممارسات حكومة تسيير الأعمال الحالية، التي لا تملك صلاحيات اتخاذ مثل هذه الإجراءات ذات البعد الاستراتيجي الوطني!
مراحل ضرورية ومتكاملة
تمر عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة بعدة مراحل ترتكز على عناوين رئيسية تتمثل بإصلاح الهياكل الإدارية، وبتعزيز الكفاءة، وباستعادة ثقة المواطنين، والخطوات الرئيسية المطلوبة لإنجاز ذلك يمكن اختصارها بالآتي:
تقييم الوضع الحالي للمؤسسات من خلال جمع البيانات وتحديد نقاط الضعف فيها، سواء كانت إدارية أو مالية أو تشغيلية، مع تحليل الأسباب التي أدت إلى تدهورها (فساد- ضعف القيادة- تدخلات وتداخلات- نقص التمويل...)، ثم الانتقال إلى الأولويات بتحديد القطاعات الأكثر تأثراً، والتي تحتاج إلى تدخل عاجل وفوري قبل غيرها.
وضع خطة استراتيجية شاملة تتضمن تحديد الأهداف وصياغة رؤية واضحة لإعادة البناء، مع أهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، مع ضرورة الاستفادة من إشراك بعض الخبراء والمختصين لإعادة تصميم الهياكل المؤسسية، مع ضمان الدعم والتوافق السياسي لذلك لضمان الالتزام بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
بناء الكوادر البشرية والتركيز على التدريب والتأهيل لتطوير قدرات الموظفين عبر برامج تدريبية مكثفة، بالإضافة إلى استقطاب الكفاءات ذوي الخبرة والنزاهة في المناصب الحساسة، مع وضع آليات صارمة لمكافحة ومنع الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه.
إصلاح القوانين والأنظمة من خلال تحديث الإطار القانوني الناظم لعمل كل مؤسسة، ومراجعة القوانين التي تحكم عملها لتصبح أكثر شفافية وفعالية على مستوى أهدافها، بالتوازي مع ضرورة تفعيل الرقابة لمتابعة الأداء فيها، وخاصة على المستوى المالي.
استعادة الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة السياسات ومراقبة تنفيذها، ومن خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين عبرها.
التمويل المستدام للمؤسسات، سواء ذاتياً من خلال حسن إدارة الموارد الذاتية لضمان استخدامها بشكل فعال ولتحقيق عوائد مستدامة، أو من خلال التمويل الحكومي من موارد الدولة بما يضمن تنفيذ المهام والواجبات المناطة بهذه المؤسسات.
الاستمرارية والتقييم عبر وضع مؤشرات أداء لمتابعة تقدم الإصلاحات وتعديل الخطط حسب الضرورة والحاجة، وبالاستفادة من التجارب السابقة لتجنب الأخطاء المتكررة.
المراحل والخطوات أعلاه، المعقدة والمتشابكة، هي بعض العناوين الضرورية التي تتطلب رؤية وطنية شاملة ومتوافق عليها، والتزاماً طويل الأمد لإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يفسح المجال لتعزيز قوة الدولة واستقلالها وسيادتها، وهي مهمة وطنية ملحة ستقع على عاتق الحكومات الشرعية القادمة للتنفيذ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208