تعديل المناهج التعليمية قرار استراتيجي حساس يحتاج لتوافق وطني
أجرت حكومة تسيير الأعمال بعض التعديلات على المناهج التعليمية، مما أثار جدلاً واسعاً حول مدى شرعية هذه الخطوة، وتأثيراتها السلبية على التعليم والوضع الاجتماعي والسياسي في البلاد.
ففي الوقت الذي يُعتبر فيه تعديل المناهج قضية بالغة الحساسية والاستراتيجية، فإن اتخاذ هذه القرارات من قبل حكومة مهمتها محدودة في إدارة الشؤون اليومية فقط، يثير تساؤلات جدية حول صلاحياتها ومدى قانونية هذه الإجراءات.
ودون الخوض بتفاصيل التعديلات التي تم إدخالها على المناهج، والتي تم التقليل من أهميتها من خلال حديث وزير التربية والتعليم بعد كثرة الاعتراضات عليها، نرى ضرورة الإضاءة على بعض النقاط الرئيسية بهذا الشأن، ومنها:
غياب الأساس القانوني، فتعديل المناهج التعليمية تعتبر قراراً استراتيجياً ومؤثراً على الأجيال المقبلة، وهو على ذلك يتجاوز نطاق الصلاحيات المؤقتة والمحدودة لحكومة تسيير الأعمال المكلفة بإدارة الأمور الروتينية إلى حين تشكيل حكومة ذات صلاحيات دستورية كاملة، وكذلك فيها تجاوز للمصلحة العامة، فالتعديلات كرست انقسامات جديدة داخل المجتمع السوري هو بغنى عنها، بدلاً مساعي تحقيق التوافق الوطني بهذه المرحلة.
تراجع جودة التعليم، فإدخال بعض التعديلات ذات المحتوى الأيديولوجي على حساب المناهج العلمية يعيق تطوير مهارات التفكير النقدي، ويحد من قدرة الطلاب على مواكبة تطورات العصر، بالإضافة إلى تشويه الأولويات التربوية، فبينما يحتاج التعليم في سورية إلى إصلاح جذري يركز على العلوم والتكنولوجيا والقيم الإنسانية المشتركة، تأتي هذه التعديلات لتعيد النظام التعليمي إلى الوراء، بعيداً عن بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات التنمية وإعادة الإعمار.
إثارة المزيد من الانقسامات، فهذه التعديلات قد تُفسر على أنها محاولة لفرض رؤية أيديولوجية معينة، مما يؤدي إلى شعور فئات واسعة من المجتمع بالإقصاء أو التهميش، والنتيجة هي إضعاف قيم المواطنة وتشويه الهوية الوطنية، فالمناهج التي تركز على بعد ديني أو ثقافي واحد تهدد التعددية الثقافية والوطنية السورية، وتعزز الانعزال والانغلاق، وتُضعف القيم المدنية الجامعة التي تُعتبر أساساً لبناء مجتمع متماسك، ما يعزز شعور المواطنين بانعدام الشفافية وغياب العدالة، ويضعف الثقة بمؤسسات الدولة.
تفاقم الفقر والبطالة، فالمناهج التي لا تراعي متطلبات العصر وسوق العمل ستؤدي إلى تخريج أجيال غير مؤهلة علمياً ومعرفياً، وهذا سيزيد من معدلات البطالة ويعمق التفاوت الاجتماعي، مما ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي.
تعطيل التنمية وإعادة الإعمار كتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل البلاد، فالتعديلات التي تُبعد التعليم عن أهداف التنمية تُخرّج أجيالاً غير مؤهلة لقيادة عملية إعادة إعمار البلاد، مما يزيد من التحديات المستقبلية ويستنزف الموارد البشرية، فغياب مناهج تعليمية تواكب العصر سيدفع الشباب مجدداً إلى البحث عن فرص تعليمية أفضل في الخارج، مما يفاقم أزمة هجرة الكفاءات.
ختاماً يجب التأكيد على أن تعديل المناهج التعليمية ليس قراراً إدارياً عابراً، بل هو قضية محورية تتطلب توافقاً وطنياً ومشاركة مجتمعية واسعة.
ففي ظل الظروف الحالية، فإن اتخاذ هذه الخطوة من قبل حكومة تسيير الأعمال يُعد خروجاً عن صلاحياتها المحددة، ويهدد مستقبل التعليم والمجتمع في سورية.
فالمناهج التعليمية تُعد أحد أهم أدوات بناء الأجيال والمجتمعات، وأي تعديل يخرجها عن هدفها الأساسي في تعزيز العلم والفكر قد يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى الطويل.
لذلك، من الضروري أن تنأى حكومة تسيير الأعمال الحالية عن الخوض في غمار التعديلات على المناهج، وتتراجع عن الإجراءات المتخذة بهذا الشأن، ربما مع استثناء ما يتعلق بالتعديلات التي شملت رموز السلطة الساقطة فقط، وتترك هذه المهمة الاستراتيجية لأول حكومة شرعية قادمة متوافق عليها وطنياً، لتحقيق التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208