إعادة الاعتبار لمحصول القمح والأمن الغذائي
عانى قطاع الزراعة في ظل السياسات الاقتصادية للسلطة السابقة من مشاكل عميقة أدت إلى تراجعه وتدهوره بشكل كبير، وتحولت سورية من بلد مُصدّر ومكتفٍ ذاتياً من الإنتاج الزراعي، إلى بلد يستورد جزءاً هاماً من منتجاته.
ويأتي انهيار قطاع الزراعة نتيجة لسياسات تخفيض الدعم وتخفيض الإنفاق العام وتخلي الدولة عن دورها بشكل تدريجي، بالإضافة إلى سياسات تحرير الأسعار التي أثرت بشكل مباشر على مستلزمات الإنتاج، وسياسات التسعير المجحفة للمحاصيل، وخاصة الاستراتيجية، ما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج على المزارعين وتخسيرهم عملياً بالشكل الذي جعلهم غير قادرين على إعادة الاستثمار بالزراعة، بسبب محاربتهم من قبل السلطة الساقطة، على الرغم من أن هذا القطاع هام جداً على مستوى الأمن الغذائي للناس، وطبعاً كل ذلك كان لمصلحة القلة من حيتان النهب والفساد في البلاد.
محصول القمح نموذجاً!
بلغ إنتاج سورية من القمح في العام 2006 نحو 4,93 مليون طن، وبلغت المساحة المزروعة نحو 1,78 مليون هكتار، ومع بدء تنفيذ سياسات رفع الدعم وارتفاع أسعار الوقود وتخلي الدولي فعلياً عن دورها فيما يخص تأمين مستلزمات الإنتاج وأهمها الأسمدة، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وقد ترافق ذلك ببيع المحصول للحكومة بأسعار مجحفة للفلاحين، ودون التكلفة، ما شكّل خسارات متتالية للفلاحين، وما أدى إلى انخفاض إنتاج القمح في عام 2010 بنسبة 37,5% تقريباً، وانخفاض المساحة المزروعة بنحو 10% تقريباً.
ومع تكريس السياسات المتبعة فيما يخص التحرير الاقتصادي والخصخصة وتراجع دور الدولة خلال السنوات السابقة، انهار إنتاج محصول القمح في عام 2023 ليصل إلى نحو 1,1 مليون طن، بمساحة مزروعة بلغت 517 ألف هكتار، وأصبحت سورية في ظل هذه السياسات بحاجة إلى استيراد نحو 1,5 مليون طن سنوياً من القمح كي تغطي احتياجات الخبز فقط، بعد أن بلغ حجم صادرات سورية من القمح في عام 2006 نحو 1,45 مليون طن، بقيمة بلغت نحو 187,3 مليون دولار.
إعادة كمية الإنتاج لمستويات ما قبل الأزمة ممكنة وضرورية
على الرغم من انهيار القطاع الزراعي على أيدي السلطة الساقطة، إلا أن إعادة بنائه وازدهاره ليست بالمهمة الصعبة، بل وممكنة، بما في ذلك بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح.
ولكن إصرار حكومة تسيير الأعمال الحالية على تبني سياسات السلطة الساقطة بتحرير الأسواق وإنهاء الدعم كلياً، وتكريس قضم دور الدولة، سيكمل مسيرة السلطة الساقطة في تدمير قطاع الزراعة عموماً، وضمناً المحاصيل الإستراتيجية كالقمح، لنبقى أسرى السياسات التدميرية للإنتاج الزراعي، لاستكمال التضحية بالأمن الغذائي للمواطنين بالمحصلة!
فاذا كنا نستورد 1,5 مليون طن في أيام السلطة السابقة الأخيرة، فإن تبني سياستها نفسها سيجعلنا نستورد كل احتياجاتنا من القمح بدلاً من استثمار مواردنا المحلية التي تمكننا من ضمان أمننا الغذائي بحال تغيير السياسات الزراعية بما يصب بالمصلحة العامة.
ولعل أهم إجراء لا بد من اتخاذه في هذا الإطار هو التخلي عن السياسات الاقتصادية التي تبنتها السلطة الساقطة وأدت إلى ما أدت إليه، إضافة إلى تشجيع المزارعين على استثمار أراضيهم بالشكل المطلوب، عبر إعادة الاعتبار لدور الدولة في تأمين مستلزمات الإنتاج وتخفيض التكاليف، وشراء المحاصيل بأسعار مجدية بالنسبة للفلاح تساعده على الاستمرار بالزراعة كمصدر للرزق وتأمين معيشته.
إن إطعام الناس وضمان أمنهم الغذائي من المهام الرئيسية المنتصبة أمام أول حكومة شرعية قادمة، وهذه المهمة ليست صعبة بحال تبني سياسات زراعية وطنية شاملة ومتكاملة، فسورية بلد زراعي متنوعة المحاصيل ومتعددة المواسم، وجزء هام من الإنتاج الزراعي يدخل في الصناعات الغذائية، بل ومن الممكن إعادة الاعتبار لتصدير جزء هام من المحاصيل الزراعية والصناعات الغذائية الفائضة عن حاجات الاستهلاك المحلي أيضاً، ليصبح القطاع الزراعي مورداً مستداماً للقطع الأجنبي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1208