إنهاء الدعم ثمن باهظ يدفعه المفقرون

إنهاء الدعم ثمن باهظ يدفعه المفقرون

على مدى العشرين يوماً الماضية، بات واضحاً أن قرار إنهاء الدعم عن المواد الأساسية ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل زلزال اجتماعي وسياسي يعيد تشكيل حياة المواطن بكل تفاصيلها.

هذا القرار، الذي طُبِّق دون خطط تعويض حقيقية تسبقه، يكشف عن عمق الهوة بين سلطة حكومة تصريف الأعمال والشعب، ويضع السوريين، وخاصة الغالبية المفقرة، أمام واقع جديد، أقل ما يُقال عنه إنه قاس ومجحف، مما يدفعنا للتساؤل عن مدى قدرة المفقرين على الصمود أمام هذا الواقع الجديد؟!

بالأرقام الواقعية فإن خسائر الأسرة أصبحت لا تُطاق، فسعر ربطة الخبز الذي كان رمزياً ارتفع بشكل جنوني ليصبح عبئاً يومياً، ففي حين كانت العائلة المكونة من 5 أشخاص، وحسب سياسة البطاقة الذكية المعمول فيها سابقاً، تحصل على 12 ربطة خبز أسبوعياً، أي ما يعادل 336 رغيف خبز شهرياً بتكلفة كلية 19200 ليرة شهرياً، فقد أصبح اليوم 12 رغيفاً بتكلفة 4000 ليرة، أي 336 رغيفاً شهرياً ارتفعت اليوم إلى حدود 111888 ليرة، على ذلك فإن خسارة العائلة المفقرة على رغيف الخبز شهرياً تقارب 100 ألف ليرة.
أما الغاز المنزلي، الذي كان يُباع بسعر مدعوم يقارب 20 ألف ليرة للأسطوانة كل ثلاث أشهر، أي بما يعادل 6000 شهرياً، اليوم ومع إلغاء الدعم باتت أسطوانة الغاز تكلف 220000 ليرة، وبتقسيمها على ثلاثة أشهر نجد أن أسطوانة الغاز ارتفعت 10 أضعاف دفعة واحدة، لتغدو تكلفتها 66000 شهرياً، أي بخسارة شهرية للأسرة المفقرة تقارب 60 ألف ليرة.
بالنظر إلى مازوت التدفئة فقد كانت تحصل العائلة على 50 لتراً لمدة سنة بتكلفة 250000 ليرة، أما اليوم فقد وصلت تكلفة 50 ليتراً إلى مليون ليرة سورية، وخسارة الأسرة الشهرية لقاء مازوت التدفئة تقدر بحدود 60 ألف ليرة.
أما التحدي الأشد قسوة فهو تكلفة المواصلات التي ارتفعت إلى أكثر من400٪، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ودولرته، فبحال وجود شخصين في العائلة يحتاجون إلى 4 وسائل مواصلات يومياً بين الذهاب والإياب، وعلى مدار 20 يوماً وبتكلفة 1000 ليرة لكل منها حسب التعرفة السابقة تكون التكلفة الكلية 160 ألف ليرة، أما اليوم وقد ارتفعت التعرفة إلى4000 ليرة، أصبحت التكلفة على هذه العائلة شهرياً 640 ألف ليرة. وخسارة الأسرة الشهرية لقاء فروقات تعرفة المواصلات تصل إلى 500 ألف ليرة، وهذا يعني أن العامل يحتاج إلى ما يزيد عن ضعف مرتبه للوصول إلى عمله، فبدلاً من أن يكون العمل مصدراً للعيش الكريم، بات معركة يومية يخسرها العامل أمام أرقام الإنفاق على المواصلات التي تتصاعد بلا هوادة.
كذلك الذهاب إلى المدارس والجامعات بات رفاهية لا تقدر عليها العديد من الأسر تزامناً مع هذا الجنون السعري، وحتى مع تطبيق الزيادة المعلنة من قبل حكومة تصريف الأعمال والمقدرة بـ400٪ فإنها ستطال موظفي القطاع الحكومي، أما القطاع الخاص والقطاع غير المنظم فسينتظرون رحمة أرباب عملهم.
ليس هذا فحسب فرغم الإعلان عن هذه الزيادة إلا أن إنهاء الدعم أعلاه استهلكها قبل أن تُصرف لأصحاب الأجور، وفي حال صُرفت مطلع الشهر القادم فإن العامل وعلى مدار شهر للخلف تكبد أعباء هائلة دفعته نحو الاستدانة لتأمين قوته، وبالتالي فإن هذه الزيادة المقضومة سلفاً ستأتي لتغطي فارق إنهاء الدعم على الخبز والغاز المنزلي والمواصلات فقط بأحسن الأحوال، والمقدر بحدود 700 ألف ليرة شهرياً، أما عن الفوارق السعرية الأخرى فستبقى دون تغطية، والنتيجة أن الواقع المعيشي للأسر المفقرة سيزداد قسوة وسيدفع بها إلى المزيد من الفقر والعوز والجوع.

في ظل كل هذه الضغوط، ما زال المواطن يتطلع إلى حياة أفضل، لكن الحقيقة المؤلمة أن هذه الفرحة ستبقى ناقصة إذا لم تُتخذ خطوات سياسية واقتصادية جذرية تعالج جذور أزماته العديدة، وخاصة المعيشية.
فالأعباء الاقتصادية الحالية على ضوء التحرير السعري وإنهاء الدعم الكلي تنذر بسنوات طويلة إضافية من المعاناة بحال لم تتخذ خطوات فورية لتعويض هذه الخسائر عبر سياسات دعم بديلة، أو زيادة الأجور بما يتناسب مع تكلفة المعيشة بشكل فعلي.
فالمواطن الذي تحمّل لعقود سياسات القمع والتجويع، لا يحتاج اليوم إلى خطابات جوفاء، بل إلى أفعال تُترجم إلى رغيف خبزٍ أرخص، وأجرة نقل أقل، وأمل بأن سنوات الحرمان قد تُعوّض يوماً ما.
فالسلطة، أياً كانت، عليها أن تُدرك أن السوريين لن يقبلوا بعد اليوم بمقايضة حياتهم مقابل وعود لا تتحقق وخطابات جوفاء، فالوقت يمضي ثقيلاً على أصحاب الأجور والمفقرين، وأي تأخير في الإصلاحات الاقتصادية العادلة قد يجعل من سنواتنا القادمة أصعب مما مضى!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1207