قضم الدعم وزيادة إنهاك القطاع الزراعي!
يعتبر القطاع الزراعي الشريان النابض بالحياة والضامن للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمواطن وللبلاد، هذا طبعاً قبل أن تأتي الحكومات المتعاقبة لتقطعه بسياساتها الليبرالية المفقرة وقراراتها وتوجهاتها الظالمة، مُضيقةً بذلك الخناق على المزارع والمواطن، بلقمة عيشهم وقوت أطفالهم!
فاليوم يعاني القطاع الزراعي من حالة انهيار حاد، وذلك نتيجة الكثير من المشاكل والصعوبات المفروضة عليه، وخاصة سياسات تخفيض الدعم الجائرة الممارَسة ضده، والتي لم يعد خافياً على أحد مَن خلفها ولمصلحة مَن!
زيادة أسعار... أم قتل آمال؟!
ناقش مجلس الوزراء بتاريخ 29/10/2024 واقع المشتقات النفطية، ورغم التأكيد على ضرورة الاستمرار بدعم القطاع الزراعي ومدخلات الإنتاج الزراعي، إلا أن النقاش انتهى بالموافقة على توصية اللجنة الاقتصادية التي نصت على رفع سعر المازوت الزراعي من 2000 إلى 5000 ليرة أي بنسبة زيادة 150 ٪، كذلك تمت الموافقة على رفع سعر المازوت الصناعي لصبح بسعر التكلفة!
حسب ما نشر على الصفحة الرسمية للحكومة فإن القرار أعلاه شهد نقاشاً واسعاً وتبايناً في وجهات النظر، ولم تغفل الحكومة أثناء نقاشها تداعيات هذا القرار على الأسواق وما سيؤول إليه حال الأسعار، كذلك لم تفت فرصة تذكيرنا بالواقع الصعب المتمثل بالعجز المالي المتراكم الذي يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، لكنها تناست عمداً الأسباب وراء هذا العجز، وتناست قرارات ضرب القطاعات الحيوية وسياسة تقويض الإنتاج الوطني ومنهجية التطفيش والتفشيل والإفقار!
أما المضحك حقاً فهو إصرار الحكومة على قرارها، رغم كل هذا النقاش الذي أكد معرفتها المطلقة بتداعياته السلبية، على المزارع بدايةً، مروراً بالمواطن ووصولاً إلى المنتج!
وبالعودة إلى تفاصيل رفع سعر المازوت الزراعي والصناعي، فإن حكومة الشفافية والواقعية لم تبدُ واقعية إلا بالقدر الذي ترى فيه واقع عملها ومصالح حيتانها، لا واقع المواطن المفقر ولا الفلاح المعدم!
أما من جهة الذرائع والمبررات التي قدمتها الجهات المعنية، والتي تمحورت حول فكرة «رفع سعر المازوت سيمنع المتاجرة به»، نتساءل لماذا لم تمنع عمليات رفع السعر السابقة هذا الأمر؟
بل على العكس فإن الدلائل تؤكد أنها عزّزته وخلقت عتبة سعرية أعلى، أدت إلى رفع أسعار المشتقات النفطية في السوق السوداء أضعافاً مضاعفة!
أما فيما يخص التشوه السعري الحاصل بمادة المازوت، والذي أفقد دعم المنتجات أثره، حسب ما طرحته الحكومة، نتساءل أيضاً هل رفع سعر المازوت سيحقق دعماً أفضل للمواطن أو للفلاح أو للصناعي؟!
هل سيصمد القطاع الزراعي؟
بالنظر إلى تداعيات القرار الأخير على القطاع الزراعي، المنهك فعلاً والذي يعاني سلفاً من صعوبات في تأمين مستلزمات الإنتاج، التي يعتبر الوقود أهمها، نتساءل كم من فلاح سيهجر أرضه؟ وكم من أسرة ستفقد مصدر رزقها الوحيد؟!
ليس هذا فقط، بل بفقداننا للمنتجات الزراعية كم من مصنع ومعمل وورشة ستغلق أبوابها نتيجة صعوبة تأمين المواد الأولية؟!
فماذا سيحدث لاحقاً، وكم سترتفع أسعار الخضراوات المرتفعة أساساً بعد هذا القرار؟
وماذا سيكون الحال بالنسبة لباقي المنتجات، كالملابس والمصنوعات الغذائية، وسائر الاحتياجات اليومية الأخرى للمواطن المفقر؟
أجل هو قرار واحد سيشكل مع أشباهه الطلقة التي ستودي بالزراعة والصناعة وبأمن المواطن الغذائي وبالاقتصاد الوطني إلى التهلكة!
ولعله من المفيد هنا التذكير بتصريح رئيس الاتحاد العام للفلاحين أحمد إبراهيم لصحيفة الوطن بقوله: «دعم الفلاح بشكل حقيقي هو دعم مستلزمات الإنتاج، وعدم توفر المحروقات وارتفاع أسعارها يعتبران من أبرز المشكلات التي تواجه المزارعين خلال الأعوام الماضية... إننا كاتحاد، طالبنا خلال الاجتماع مع الحكومة إقرار الخطة الزراعية بأهمية تأمين كل مستلزمات الإنتاج، والأهم أن تبقى تسعيرة المازوت الزراعي 2000 ليرة وألّا تتجاوز ذلك».
أيضاً من المفيد التذكير بحديث مدير المكتب المركزي للإحصاء، «عدنان حميدان»، الذي كشف مؤخراً عن ارتفاع نسبة غير الآمنين غذائياً بشكل كبير لدى معظم الأسر، مع اكتفاء معظمها بوجبة واحدة، فوفق المسح الأخير الذي أجراه المكتب والذي شمل 34 ألف و542 أسرة، تبين أنه لم يتم رصد أي أسرة تحصل على 3 وجبات يومياً!
وأمام هذا الواقع لا يبدو أن هناك خياراً آخر سوى دعم الزراعة والفلاح، والإنتاج عموماً، عوضاً عن استمرار رفع تكاليف مستلزمات العملية الإنتاجية في بلد يواجه تهديداً بالأمن الغذائي!
لكن الحكومة ضربت بجميع المطالبات والمناشدات والضرورات عرض الحائط!
فإلى متى سيصمد القطاع الزراعي أمام وحشية القرارات والتوجهات الرسمية تجاهه؟
فمن الواضح أن الحديث الرسمي حول الدعم عموماً، والزراعي خصوصاً، ليس سوى ذر للرماد في العيون، ففي حين تتبجح الأفواه بعبارات الدعم الرنانة، تأتي الأفعال لتثبت أن حكومة الجباية غايتها إنجاز المزيد من التخفيض للدعم والقضم للحقوق، مما سيؤثر سلباً ليس على مستقبل الزراعة فقط في بلادنا، بل سيكون لها انعكاسات خطيرة على أمننا الغذائي ومستوى معيشتنا!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200