بالأرقام الرسمية... قطاع الإنتاج الصناعي يتراجع والحكومة غير معنيّة!
تبرز أهمية النشاط الصناعي الإنتاجي في أي بلد بأنه ركيزة أساسية من ركائز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، خاصة مع ما يتبع سلاسل الإنتاج من سلاسل عمل إضافية قبلها وبعدها، تتمثل بعمليات الإمداد والتوريد والتسويق والبيع، بالشكل الذي يساعد على استثمار الموارد المادية والبشرية المتوفرة في أي دولة، بالإضافة طبعاً إلى دور الإنتاج في تأمين جزء من احتياجات الاستهلاك المحلي من المواد والسلع، وللفائض القابل للتصدير من هذا الإنتاج، ودوره على مستوى زيادة القطع الأجنبي الوارد مقابله.
تمتلك سورية قاعدة مهمة من الموارد المتنوعة القادرة على رفد القطاع الصناعي بجزء هام من المدخلات اللازمة لنهوضه، خاصة في قطاعي الصناعات الغذائية والنسيجية، إضافة إلى توفر العمالة الماهرة وبمختلف الاختصاصات والمهن بهذه القطاعات، وكذلك تحقق هذه القطاعات الصناعية ترابطات وعلاقات سابقة ولاحقة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة، كالتجارة والنقل والزراعة والسياحة و...إلخ.
الصناعة السورية تتداعى!
في ظل النهج الاقتصادي– شديد التشوه– الذي تدار به البلاد، عانت الصناعة السورية وما زالت تعاني من مجموعة من العراقيل، المفتعلة بغالبها، والتي تهدف إلى تدمير الصناعة السورية بشكل كامل، والأزمة السورية بهذا السياق ما هي إلا عامل إضافي تستغله النخب المستفيدة من تدمير القطاع الصناعي في سبيل تلبية مصالحها الضيقة بالضد من المصلحة الوطنية!
ويمكن توضيح تدهور وتداعي الصناعة السورية بمجموعها من الأرقام والبيانات الرسمية الموضحة، الوحدة /مليار ليرة/، بحسب ما يلي:
استناداً إلى البيانات الموضحة بالجدول أعلاه، وإضافة إلى ما هو مبين على مستوى انخفاض نسبة مساهمة القطاع الصناعي بالناتج المحلي من 30% في عام 2000 وصولاً إلى 9,6% في عام 2022، نستنتج أن الناتج المحلي لقطاع الصناعة يتبع اتجاهاً عاماً يتناقص سنة بعد أخرى منذ عام 2010 وحتى عام 2022!
فقد انخفض ضمن العام 2022 بنسبة 75.5% و76.2% و81.1% عن الأعوام 2000 و2005 و2010 على التوالي!
الخلل البنيوي في تكوين الصناعة السورية!
تصنف الصناعات في سورية، بالاستناد إلى دليل التصنيف الاقتصادي الدولي، إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهي: الصناعات الاستخراجية (استخراج النفط والغاز الطبيعي- استخراج الفوسفات- وأية أنشطة أخرى لاستغلال المحاجر مثل الرخام... وإلخ)، الصناعات التحويلية (الصناعات الغذائية- التبغ- تكرير النفط- الغزل والنسيج وإنتاج الملابس- المنتجات الخشبية- الصناعات الكيميائية وغيرها)، وأخيراً صناعة الماء والكهرباء (إنتاج الطاقة والماء).
ونوضح من خلال الجدول الآتي بيانات الناتج المحلي الصافي، لهذه الصناعات بالأسعار الجارية، الوحدة /مليار ليرة/:
شكل صافي الإنتاج للصناعة الاستخراجية وصناعة الماء والكهرباء من إجمالي الناتج المحلي الصافي للصناعة ما يقارب 80% بشكل متوسط خلال الأعوام (2000- 2005- 2010)، وانخفضت نسبة مساهمة هذه الصناعات ضمن الأعوام اللاحقة (2015- 2020- 2022) لتشكل وسطياً 36% تقريباً، علماً أن القطاع العام ينتج نحو98.5% من إجمالي هذه الصناعات!
أما بالنسبة للصناعات التحويلية فقد ساهمت بالناتج الصافي المحلي بنسبة 20% وسطياً خلال الأعوام (2000- 2005- 2010)، وبنسبة بلغت وسطياً نحو 64% خلال الأعوام (2015- 2020- 2022)، والجدير بالذكر أن القطاع الخاص ينتج ما يقارب 97% من إجمالي الصناعات التحويلية في سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة الزيادة أعلاه مقترنة بتراجع الناتج المحلي الإجمالي، وهي على ذلك زيادة نسبية، ومع استمرار تراجع نسبة القطاع الاستخراجي والكهرباء فإن صعوباتها ستتزايد!
وبالتالي فإن نسبة مساهمة القطاع العام الصناعي بصافي الناتج المحلي الصناعي انخفضت بشكل كبير، وذلك لأن الصناعات التي تديرها الدولة وتحديداً (الاستخراجية، والماء والكهرباء) والتي ساهمت وسطياً بنسبة 79.5% ضمن السنوات (2000- 2005- 2010)، انخفضت نسبة مساهمتها لتصبح 35.5% بشكل وسطي خلال السنوات (2015- 2020- 2022)!
ويمكن تلخيص أسباب تراجع مساهمة القطاع العام بالناتج الصناعي بسببين أساسيين، الأول تدهور الصناعات الاستخراجية وصناعة الماء والكهرباء كنتيجة مباشرة للأزمة، سواء من ناحية العقوبات الاقتصادية أو من ناحية خروج بعض المناطق عن سيطرة الدولة، والسبب الثاني عائد إلى عدم سعي الحكومة إلى توجيه استثمارات القطاع العام إلى الصناعات التحويلية (الغذائية أو النسيجية على سبيل المثال) لتعويض جزء الفاقد من الصناعة الاستخراجية والكهرباء!
ويمكن التأكيد على ذلك بالاستناد إلى بيانات الإنفاق الإنمائي الفعلي للقطاع الصناعي العام ضمن السنوات موضع الدراسة أعلاه، حيث بلغ الإنفاق الإنمائي الفعلي على القطاع الصناعي العام ضمن سنة 2010 ما يقارب 1.43 مليار دولار، وانخفض ضمن العام 2022 ليصبح 148.4 مليون دولار فقط، ما يعني أنه انخفض بنسبة 89.6% تقريباً!
فبالإضافة إلى تراجع الصناعة الاستخراجية والكهرباء والماء، وبغض النظر عن أسبابها وذرائعها، هناك تراجع بالإنفاق الإنمائي الفعلي للقطاع العام الصناعي بشكل عام خلال السنوات الماضية، ليتأكد من خلال ذلك طبيعة التوجه الرسمي غير المعني بالصناعة والإنتاج عموماً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194