التأثير المتبادل بين التشريع الإيجاري ومشكلة السكن (1)
تعد أزمة السكن إحدى الأزمات الكثيرة التي يعاني منها المجتمع السوري منذ عشرات السنين، ولعدة أسباب لا يسعنا ذكرها الآن، ولا تكفي مقالة واحدة للإحاطة بها.
وتفاقمت هذه الأزمة بكل تأكيد مع انفجار الأزمة السورية عام 2011 والعمليات العسكرية والحربية التي أجبرت ملايين السوريين على النزوح من مناطقهم الساخنة إلى المناطق الآمنة نسبياً، ولكن وجد المواطن نفسه ضحية وفريسة أمام ارتفاع بدل إيجار العقارات والغبن الذي وجد نفسه أمام المالك، الذي بات يفرض شروطه على المستأجر، وهو الطرف الذي بات ضعيفاً في العقد، وذلك يعود إلى سبب أساسي وهي قوانين الإيجار في سورية التي ساهمت بتفاقم مشكلة السكن قبل انفجار الأزمة وبعدها!
التأثير المتبادل بين التشريع الايجاري ومشكلة السكن
قانون الإيجار من التشريعات شديدة الارتباط بمشكلة السكن، لذلك لا بد من التعرف عليه تمهيداً لمعرفة دوره في مشكلة السكن.
يتم تنظيم العلاقات الإيجارية في سورية، بأحكام التشريع المدني العام الواردة في القانون المدني، وأحكام التشريع المدني الخاص الواردة في قانون الإيجار.
لمحة موجزة عن أهم الأحكام الايجارية في القانون المدني
مرّ تنظيم أحكام الإيجارات في التشريع المدني العام بمرحلتين هما:
1 ـ مرحلة مجلة الأحكام العدلية:
صدرت المجلة أيام الحكم العثماني، وكانت أول محاولة جدية لتقنين الحقوق المدنية. ولا شك أنها أحدثت حين صدورها انقلاباً قانونياً خطِراً في حياتنا القضائية لأنها وضعت مبدأ التقنين المدني (من المذكرة الإيضاحية للقانون المدني السوري).
وقد تناولت مجلة الأحكام العدلية تنظيم شؤون الإجارة بأنواعها المختلفة بالمواد من /404/ إلى /611/ واستمر العمل بالمجلة إلى حين صدور القانون المدني سنة 1949.
2 ـ مرحلة القانون المدني السوري
بعد أن حققت سورية استقلالها الوطني، فقد كانت الحاجة ملحة لاستصدار قانون مدني حديث يحل محل مجلة الأحكام العدلية العثماني، وبالفعل صدر القانون المدني السوري بالمرسوم التشريعي رقم /84/ تاريخ 18 أيار 1949 ولا يزال ساري المفعول.
ينص القانون المدني على أحكام الإيجار بالمواد من /526/ إلى /601/ معتمداً الأسس الآتية:
أ ـ احترام إرادة المتعاقدين: وهذا المبدأ الأثير في الحقوق الحديثة يحكم العلاقات المدنية عموماً ومنها العلاقات الإيجارية وقد ورد بالمادة /148/ من القانون المدني.
ب ـ تحديد الأجرة بصورة اتفاقية وتسديدها: وهذا المبدأ منصوص عليه بصورة أساسية بالمواد 529 و530 و554 من القانون المدني.
جـ ـ انتهاء عقد الإيجار بالموعد المتفق عليه: وهذا ما تنص عليه أساسا المادة /565/ مدني.
ولا ريب أن أحكام القانون المدني، بالأسس المذكورة التي تضمنها، من شأنها أن تحقق قسطاً كبيراً من العدالة بين أطراف العلاقة الإيجارية.
غير أنه وجد في مراحل تشريعية متعددة ولمقتضيات استثنائية، أن المصلحة العامة والظروف الاقتصادية والاجتماعية تقتضي هجر أحكام الايجارات في القانون المدني، والاستعاضة عنها بأحكام ترد في تشريع مدني مستقل وخاص يعنى بالإيجارات حصراً، وهذا ما كان.
مراحل تنظيم العلاقات الايجارية في تشريع خاص
في أواخر الحرب العالمية الثانية ابتدأت تبرز في سورية أزمة للسكن. وبدت الحاجة ماسة إلى ضرورة تنظيم العلاقات الإيجارية، فصدر أول تشريع خاص يتناول موضوع الإيجارات بالقانون رقم /26/ تاريخ 29/12/1943 وبتاريخ 15/2/1949 صدر القانون رقم /464/ الذي جاء في /19/ مادة احتوت تنظيم العلاقات الإيجارية، وقد تضمن القانون تمديداً بقوة القانون للعقود الإيجارية لمصلحة المستأجرين كما تضمن انتقال العلاقة الإيجارية بالخلفية من المستأجر إلى ورثته.
بتاريخ 31/12/1950 صدر قانون جديد للإيجار بالرقم /63/ وقد نظم لأول مرة جواز طلب تقدير بدل الإيجار قضائياً (التخمين) وبعدها صدر قانون الإيجار (المعمر) بالمرسوم التشريعي رقم /111/ تاريخ 11/2/1952 والذي استمر العمل بأحكامه (مع بعض التعديلات) ما يقرب من نصف القرن، ومما جاء في أسبابه الموجبة:
«أن مصالح المؤجر والمستأجر المتباينة يجعل وضع نص تشريعي يؤمن هذه المصالح جميعها بحكم المستحيل، وحسب الشارع أن يقرّب وجهة نظر الفريقين ويعمل على رفع ما يمكن رفعه من الأضرار، ويقر إلى حد ما مبادئ العدالة التي تتفق مع مصلحة المجتمع السوري الاجتماعية والاقتصادية».
وأهم ما في هذا القانون أنه تضمن قاعدتي التمديد الحكمي لمدة عقد الإيجار، وتحديد الأجور بنسب مئوية من قيمة العقار، إضافة إلى حصر حالات الإخلاء. وهذه القواعد شكلت الأرضية التي نمت من خلالها سلبيات القانون، حيث تعد تلك الحالات من التي يصعب إثباتها أمام القضاء ومن الصعب جداً إخلاء المستأجر وفق أحكام هذا القانون وأصبح في العرف الشعبي المستأجر بمثابة المالك للعقار وحرم صاحب العقار من الاستفادة بعقاره واستغلاله والتصرف فيه وهذه هي أهم عناصر الملكية في القانون.
فلسفة جديدة
بتاريخ 30/7/1987 صدر المرسوم التشريعي رقم /3/ المسمى قانون الإيجار الموسمي، وبموجب هذا القانون يمكن إبرام عقود إيجار المساكن لغاية الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام، لمدة محدودة أقصاها ستة أشهر، أينما وجدت هذه المساكن، وسواء أكان المستأجر من السوريين أو من أية جنسية أخرى، وتخضع عقود الإيجار الموسمي للأحكام الواردة فيها حصراً، من حيث بدل الإيجار وكيفية استيفائه ومدة الإيجار، ولا يخضع لقاعدتي التمديد الحكمي وتحديد الأجور، وتعتبر العقود المسجلة أصولاً لدى الجهة الإدارية المختصة سنداً تنفيذياً يوضع مباشرة لدى دائرة التنفيذ حيث يمكن للمؤجر استرداد حيازة عقاره المؤجر إذا لم يتم تسليمه رضاء عند انتهاء المدة المحددة في عقد الإيجار الموسمي.
ومن الواضح أن المشرع لم يقصد من قانون الإيجار الموسمي تقنين أحكام العقد الموسمي فحسب، ذلك لأن الاجتهاد القضائي كان قد رسم أحكام إيجارات الاصطياف، وإنما أراد أيضاً أن يقطع خطوة أولى باتجاه حرية التعاقد، ضمن شروط معينة، وتحت غطاء العقد الموسمي. وبالفعل فإنه بعد صدور هذا القانون أصبحت معظم حالات التأجير (والبعض يقول جميعها) تتم وفق أحكامه. ولم تعد الأطراف المتعاقدة تلجأ إلى قانون الإيجار رقم /111/ لعام 1952.
على أنه يمكن القول إن قانون الإيجار الموسمي لم يقدم حلاً للجانب القانوني وخلق مشاكل اجتماعية عدة وحالة عدم استقرار لدى العائلات حيث من غير الممكن أن يعامل المواطن الذي يسعى إلى تأمين مأوىً وسكن له، وهذا أدنى حق له في وطنه، بمثابة سائح أجنبي جاء للاصطياف فترة محددة وبأسعار مرتفعة نسبياً خاصة أن القانون لم يحدد نطاق تطبيقه بالمناطق السياحية فقط.
يتبع....
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188