تفاقم أزمة المياه في محافظة حمص!
عند ذكر اسم حمص، وللوهلة الأولى، يتبادر للأذهان تلك المساحات الخضراء الغضة والينابيع الكثيرة، فكيف أصبح يترافق اسم هذه المحافظة مع أزمة المياه لا أحد يعلم؟!
من المفارقة أيضاً أن أزمة المياه في حمص وريفها باتت شبه دائمة، حيث بدأت منذ أكثر من 10 سنوات في بعض القرى، وما زالت مستمرة وتتفاقم إلى يومنا هذا، دون أي جهود رسمية جدية لحلها!
فالأزمة قديمة ومزمنة وباتت متكررة في تفاقمها كل عام مع حلول فصل الصيف وازدياد درجات الحرارة، وهو ما يدفع المواطنين مرغمين إلى تعويض النقص عبر شراء الماء من الصهاريج التي تبيعها بأسعار مرتفعة وكيفية، لا رقيب عليها!
فإلى متى سيستمر هذا الحال؟
وإلى متى ستستمر الجهات المعنية بصم آذانها؟
اعتراف رسمي بالمشكلة!
اختتم مجلس محافظة حمص في 25 الشهر الحالي أعمال دورته العادية الرابعة، وتضمنت الجلسة الأخيرة مناقشة تقارير أعضاء المكتب التنفيذي لقطاعات الصناعة والاتصالات والزراعة والري، الصحة والبيئة والدفاع المدني والمياه والصرف الصحي.
حيث ركز أعضاء المجلس في مداخلاتهم على العديد من المواضيع الخدمية التي تهم المواطن، وأهمها مشكلة انقطاع المياه وتضارب المواعيد بين المياه والكهرباء والمعاناة والتكاليف المادية الكبيرة التي يتكبدها المواطنون نتيجة شراء المياه من الصهاريج، مشددين على أهمية إيجاد حلول لهذه المشكلة، خاصة منطقة الزهراء والعديد من المناطق الريفية الشرقية والغربية، مثل جب عباس وتلكلخ والحي الشرقي في قرية جندر والمشرفة وغيرها.
لكن على الرغم من الاعتراف الرسمي بالمعضلة، وبحجم انعكاساتها السلبية على حياة المواطنين، إلا أنه لا حلول تذكر، مما يدفعنا إلى التساؤل هل التنسيق بين مؤسستي المياه والكهرباء صعب لهذه الدرجة؟
واقع مأساوي!
تعاني معظم المناطق الريفية في محافظة حمص من قلة مياه الشرب، فقرى سكرة وأبو دالي وتل أحمر على سبيل المثال لا الحصر، كانت تخضع لبرنامج إرواء ساعة مياه واحدة خلال عشرة أيام، أما الآن فقد أصبحت ساعة مياه كل خمسة عشر يوماً، رغم تركيب غاطسة جديدة للبئر الذي يزود هذه القرى بالمياه، حسب حديث الأهالي!
وعند السؤال عن سبب ازدياد المدة كان التبرير بعدم توفر محروقات، وكمية المحروقات المخصصة للبئر لا تكفي شهراً كاملاً!
وحال باقي القرى لم يكن أفضل طبعاً، ففي بعضها وصلت مدة قطع الماء إلى الشهر، مثل قرى خربة الحمام- بلقسة- بعيون- لفتايا، والقائمة تطول، وكذلك هي الحال في أحياء المدينة نفسها التي تعاني من شح المياه وزيادة فترات التقنين المائي المترافق مع زيادة فترات التقنين الكهربائي!
وكما جرت العادة فالأعذار دائماً موجودة وجاهزة، عدم توفر المحروقات الكافية لتشغيل المضخات، الأعطال المتكررة التي تصيب الغاطسات والنقص في بعض مستلزمات تشغيلها الأخرى مثل الزيوت، إضافة إلى أن شبكة المياه في العديد من القرى والبلدات أصبحت متهالكة بسبب طول عمرها الزمني، وهي بحاجة إلى الكثير من عمليات الصيانة والتبديل، بالإضافة إلى أن عمليات الصيانة والإصلاح اللازمة، للآبار أو للمحطات أو للشبكة، بحال القيام بذلك، تستغرق مدة زمنية طويلة ، تمتد لتتجاوز الأشهر، حتى ولو كانت بعض هذه الأعطال بسيطة وغير مكلفة!
بالإضافة إلى كل ما سبق فإن التقنين الجائر للتيار الكهربائي المطبق يعتبر مسبباً رئيسياً لاستمرار أزمة المياه، وخاصة في الظروف الحالية، وقد بات من الواضح أن مؤسسة المياه كرست ذلك كذريعة مناسبة لتريحها في التنصل من مسؤولياتها تجاه استمرار وتفاقم أزمة المياه، كإصلاح الأعطال التي تصيب منظومة الضخ، أو تغذية بعض المحولات بالتيار الكهربائي، أو حتى اللجوء إلى الطاقة المتجددة للاستغناء عن التيار الكهربائي عبر الشبكة الرسمية، أو حتى مخاطبة مؤسسة الكهرباء لتنظيم ساعات وصل التيار الكهربائي بالتوازي مع فترات ضخ المياه، أو البحث عن أية حلول مناسبة للمواطنين الذين أرهقهم شراء المياه مجهولة المصدر!
فهل تنظيم ساعات ضخ المياه وساعات تقنين التيار الكهربائي بتلك الصعوبة التي تعجز عنها الجهات المعنية؟!
فكل ما سبق أعلاه من معاناة، بأسبابها ومبرراتها وذرائعها، كانت محاور الكثير من الشكاوى التي تتكرر على ألسنة المواطنين وصولاً إلى المعنيين على مدار السنين الماضية، وكذلك كانت محاور الكثير من التقارير الصحفية والإعلامية التي رصدت الواقع بانعكاساته السلبية على المواطنين، لكن دون جدوى!
أعباء إضافية على عاتق المواطنين!
بغض النظر عن المبررات والذرائع الواهية، فهناك خلل واضح مترافق مع الكثير من اللامبالاة والاستهتار، بالإضافة إلى عومل النهب والفساد طبعاً!
فليس من المعقول أن تبقى الكثير من الأحياء في المدينة وفي قرى ريف حمص الغربي أو الشرقي على كثرتها مدة خمسة عشر يوماً من دون مياه، وبعضها الآخر يبقى شهراً، ولا سيما أننا في فصل الصيف، حيث تتضاعف الحاجة للمياه!
ففي ظل استمرار هذه الحالة المأساوية يضطر المواطن إلى اللجوء للصهاريج التي ازدادت تكلفتها لتتراوح من 50 إلى 70 ألف ليرة لسعة 5 براميل، حسب درجة الاستغلال!
أي إن الأسرة تحتاج شهرياً إلى ما يعادل 300 ألف ليرة بالحد الأدنى في حال تقشفت بمعدل استهلاك برميل واحد في اليوم، مع العلم أن مياه الصهاريج غير صالحة للشرب، ما يعني الاضطرار لشراء مياه الشرب أيضاً!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك العديد من الأسر المفقرة التي لا تستطيع تحمل أعباء شراء المياه بهذه التكاليف المرتفعة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، والأجور الهزيلة!
ولا يغيب عن الذهن طبعاً أن التداعيات السلبية لنقص وشح المياه تتجاوز الحاجة لمياه الشرب، مروراً بعوامل النظافة من غسيل وتغسيل، وصولاً إلى الصحة العامة!
فالكثير من الأمراض تنتشر وتتفاقم بسبب قلة وشح المياه، ومن الاضطرار للتزود بها من مصادر غير آمنة، مع مخاطر كل ذلك على الصحة الشخصية والعامة!
فما الحل هنا؟
وهل يمكن الاستغناء عن الماء مثلاً؟
وهل تأمين خط تواصل بين مؤسستي الكهرباء والمياه مستحيل لهذه الدرجة؟
وإلى متى سيبقى الإضرار بمصلحة المواطن بعيدة عن المحاسبة؟!
فليست مشكلة المواطن عدم توفر المحروقات لتشغيل الآبار، ولا عطب الغاطسات وسوء البنية التحتية وترهلها، ولا حتى التقنين الكهربائي الجائر، فكل هذه القضايا تعتبر افتراضاً من مسؤوليات الجهات المعنية في مؤسستي الكهرباء والمياه والمحافظة، وخلف كل هذه الجهات مسؤوليات وواجبات الحكومة نفسها، والتي من الواضح أنها تتملص من مسؤولياتها وواجباتها ومهامها تجاه المواطنين وخدماتهم الحياتية الضرورية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1185