فلاحوا الغاب... يجب العودة إلى الزراعات الاستراتيجية!
واقع الحال اليوم ونتيجة للسياسات الزراعية من قبل الحكومات المتعاقبة، والتي تتمحور بجوهرها على رفع الدعم عن الزراعة والإنتاج الزراعي، والتي تجلت بزيادة أسعار حوامل الطاقة والأسمدة والبذار وأدوية المكافحة، مقابل تثبيت أسعار المنتجات الزراعية، أو رفع سعرها بشكل ضئيل وأقل من المطلوب بكثير، وصل الحال لدى الفلاحين بأن أسعار المنتجات بالكاد تغطي كلف الإنتاج!
هذا الواقع دفع الفلاحين إلى الهروب من زراعة المحاصيل المكلفة والمتعبة، وأولها القطن ومن ثم الشوندر، وتبعها التبغ ومن ثم البطاطا، وبقي القمح!
ولكن حتى محصول القمح صارت المساحات المزروعة منه ضئيلة، وذهب الفلاحون قسراً إلى زراعات أخرى أقل كلفة، كزراعة الجلبان والكزبرة واليانسون وحبة البركة والشمرا وغيرها، أي إنهم دفعوا رغماً عنهم لمثل هذه الزراعات البديلة عن الزراعات الاستراتيجية الهامة!
مشروع الأكروبوليس!
ثلاثة عقود مضت، وتحديداً منذ أول تخفيض للدعم على سعر المازوت المخصص للزراعة، والضربات تتوالى على رؤوس الفلاحين!
وإذا كانت السياسات الزراعية المتبعة فيما مضى مواربة ولا تعلن عن جوهرها، إلا أنه بعد العام 2005 والإعلان عن تبني ما دعي في حينه باقتصاد السوق الاجتماعي، والذي عبر عنه في حينه أحد المستشارين الاقتصاديين أن الدولة والمنتج (فلاح- عامل) يجب أن يكونوا شركاء في الربح والخسارة، وهو انتقال للدولة من الدور الأبوي إلى الدور الأخوي، كانت المحصلة أن السياسات التي تم تنفيذها تحت هذا العنوان معادية للقطاعات المنتجة (الزراعية والصناعية)!
ففي تلك الفترة طُرحت عدة مشاريع لتطوير الزراعة، ومنها مشروع أكروبوليس، وروج لهذا المشروع لتنفيذه في منطقة السقيلبية والغاب، وتم توقيع وثيقة المشروع بين الحكومة السورية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأغذية والزراعة- الفاو في عام 2010 لكنه توقف بسبب الحرب.
وفي تلك الفترة قدم عدد من المحاضرين في المراكز الثقافية محاضرات للترويج لهذا المشروع، والذي كان بجوهره استبدال الزراعات الاستراتيجية (قطن- قمح- شوندر- تبغ- بطاطا) بزراعات سُميت في حينها النباتات العطرية (الورود ومشتقاتها- حبة البركة وغيرها).
لكن معظم الفلاحين رفضوا هذا المشروع، وفي إحدى المحاضرات رد أحد الفلاحين على المحاضر: أنتم لماذا تريدون استبدال زراعاتنا التي هي عماد الاقتصاد الوطني بزراعات لا نعرف عنها شيئاً، إذا كنتم مقتنعين بهذه الزراعات لماذا لا تذهبوا إلى أراضي أخرى تحتاج للإصلاح وجربوا هناك هذه الزراعات!
لكن المشروع لم يخرج من حيز الاهتمام الحكومي بعد هذه السنين، ففي عام 2018 تقدمت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي باقتراح إلى مجلس الوزراء لإعادة إحياء العمل بالاستراتيجية الشاملة لتنمية منطقة الغاب في محافظة حماة باسم (مشروع التنمية المتكاملة لمنطقة الغاب- الأكروبوليس)، ما يعني أن السياسات الزراعية مستمرة على حالها وبجوهرها ونتائجها، بغض النظر عن مسميات مشاريعها، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
مزيد من تخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي!
مزيد من الصعوبات في تسويق وتصريف الإنتاج!
مزيد من الخسارات بسبب الأسعار غير المنصفة للمحاصيل!
مزيد من التحكم والاستغلال من قبل كبار التجار والمستوردين والمصدرين!
من تحت الدلف لتحت المزراب!
واقع الحال بالنسبة للفلاحين اليوم سيئ جداً، حيث انطبق عليهم المثل (هربوا من تحت الدلف لتحت المزراب) حيث منتجات هذه الزراعات في معظمها خاسرة أو تكاد، وهناك عدة أسباب لذلك:
معظم هذه الزراعات ليست زراعات المنطقة.
لا توجد خبرة كافية لدى الفلاحين بمثل هذه الزراعات.
محاصيل هذه الزراعات خاضعة لقانون العرض والطلب، أي لقانون السوق.
التغيرات المناخية، حتى ولو كانت طفيفة، تأثيرها كبير على هذه الزراعات بسبب حساسيتها لهذه التغيرات.
الإنتاجية المنخفضة لهذه الزراعات في وحدة المساحة (الدونم).
فالفلاحون تورطوا بزراعة هذه المحاصيل اضطراراً، ولسان حالهم يقول يجب الطلاق مع هذه الزراعات والعودة إلى الزراعات الاستراتيجية (قمح- قطن- شوندر- تبغ- بطاطا) ولكن هذا يقتضي بداية الطلاق مع السياسات الزراعية المتبعة، والذهاب إلى سياسات زراعية عادلة ومنصفة، عنوانها دعم الأرض ودعم المنتج الزراعي، وهذا في صالح البلاد والعباد، أما بغير ذلك فنحن ذاهبون إلى أراضٍ جرداء وبور، ووداعاً للزراعة والمحاصيل الزراعية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1181