خصخصة جزئية لمهام مديريات النقل لصالح شركة محظية!
صدر قرار الحكومة القاضي بتحديد بدل خدمات الفحص الفني الدوري للمركبات الآلية المسجلة لدى مديريات النقل بالمحافظات، وذلك في المراكز التابعة للوزارة والمراكز الخاصة المرخصة، بواسطة التجهيزات الخاصة بالفحص الفني!
ولا يسعنا بهذا الصدد إلا أن نأسف حزناً تجاه مالكي الآليات على المبالغ الكبيرة التي سيتكبدونها استناداً إلى تبويبات ومبالغ القرار أعلاه، مع التوجه بالتهنئة لأصحاب المراكز الخاصة المعنية بالقرار ومستثمرها، على الأرباح الكبيرة والمضمونة التي سيجنيها استناداً لحيثياته!
فعمليات الفحص الفني للمركبات دورية، وقد باتت مكلفة استناداً للقرار الحكومي، حيث تبدأ بمبلغ 90 ألف ليرة للمركبات الخفيفة، وتصل إلى 225 ألف ليرة للمركبات الكبيرة عند نقل الملكية وتبديل اللوحات!
شركة محظية تقضم مهام مديريات النقل!
القرار الحكومي أعلاه، هو ترجمة عملية تنفيذية للبدء بخصخصة جزء إضافي من مهام مديريات النقل في المحافظات، وتحويل هذه المهام إلى شركات خاصة كي تحصد من خلالها الأرباح الكبيرة والمضمونة والمتزايدة!
فالمقدمات التمهيدية لهذه الخطوة كانت قد بدأت في العام الماضي من خلال خبر تم تداوله عن منح وزارة النقل ترخيصاً لصالح شركة «الدروب الآمنة» الخاصة لفحص المركبات فنياً في جميع المحافظات السورية!
مع العلم، أن الشركة المذكورة تم صدور قرار المصادقة على نظامها الأساسي في عام 2022 من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ويحق لها بموجب القرار تجهيز مراكز صيانة لفحص وصيانة المركبات الآلية على مختلف أنواعها، وتجارة قطع التبديل بكافة أنواعها!
وبحسب موقع الشركة الرسمي، فإن لها 8 مراكز لفحص المركبات، موزعة على الشكل التالي: 3 في دمشق وريفها، ومركز واحد في كل من محافظات (حلب- اللاذقية- طرطوس- حماه- حمص)، وبحسب الموقع قريباً في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية!
فمنح الترخيص للشركة المذكورة، مع صدور القرار أعلاه، يعني أن التخلي عن جزء من مهام وزارة النقل قد أعلن رسمياً ووضع بالتنفيذ، وكذلك التخلي عن جزء هام وكبير من العائدات المالية لقاء عمليات الفحص الفني الدورية لصالح الشركة المحظية!
عائدات مليارية سهلة ومضمونة!
بحسب القرار أعلاه، تسدد مراكز الفحص الفني حصة وزارة النقل، وقدرها 30% من قيمة بدل خدمة الفحص الفني، لصالح الخزينة العامة للدولة عن كل مركبة تقوم بفحصها!
وذلك يعني أن 70% الباقية من بدل الخدمة هي من نصيب الشركة المحظية!
فكم تبلغ هذه النسبة بالليرات السورية تقريباً؟!
نُقل عن مدير النقل الطرقي في وزارة النقل م. محمود أسعد بتاريخ 5/10/2023 عبر موقع أثر برس أن: «إجمالي عدد السيارات العامة والخاصة المسجلة في مديريات النقل في سورية يبلغ 2 مليون و369 ألف و197 مركبة تتوزع بمختلف الأنواع والاستخدامات».
على ذلك، فإن بدل الفحص الفني الدوري الذي يتم كل سنتين، ولـ2 مليون آلية فقط، وبواقع 100 ألف ليرة لكل منها وسطياً، فيكون الإجمالي 200 مليار ليرة، أي 100 مليار ليرة سنوياً، منها 30 مليار حصة وزارة النقل التي ستحول لصالح خزينة الدولة، والباقي 70 مليار ليرة حصة مراكز الفحص الفني، أي الشركة المحظية الوحيدة المرخص لها والمتفق معها على ذلك من قبل وزارة النقل!
وسيضاف إلى الحصاد الملياري أعلاه بدل الفحص الفني غير الدوري عند عمليات البيع وتبديل اللوحات، مع بقية الإضافات النثرية الأخرى كعائدات، ليعود الحصاد كعائد إجمالي لمصلحة الشركة المحظية إلى مبلغ سنوي تقريبي يتجاوز 100 مليار ليرة، ستقتطع منه نسبة التكاليف والمصاريف للمراكز الثمانية في المحافظات مع عمالها وفنييها، ولتكن بنسبة 50% (مع المبالغة)، فيكون صافي الربح لصالح الشركة المحظية أكثر من 50 مليار ليرة سنوياً، قابلة للزيادة طبعاً وليست قابلة للنقص، من جيوب المواطنين وعلى حساب عائدات وزارة النقل وخزينة الدولة!
عائدات إضافية غير منظورة!
أما الأهم، فهو كم ستبلغ العائدات «البرانية» الصافية للشركة من بيع قطع التبديل اللازمة من أجل استكمال إجراءات الفحص الفني من قبلها، كي تمنح موافقتها على سلامة وأمان الآلية؟!
فجميعنا يعلم أن غالبية الآليات في البلاد قديمة ومستهلكة، بل متهالكة من الناحية الفنية، وبحال الجدية في إجراءات الفحص الفني عليها في المراكز المعتمدة فإن غالبيتها لن تمنح الموافقة على تجديد رخصة سيرها!
على ذلك، فإن ما سيجري عملياً هي عمليات تمرير لإجراءات الفحص الفني لقاء مبالغ إضافية على حساب المواطنين أصحاب الآليات، أو بالحد الأدنى لقاء التغطية على ذلك من خلال فرض شراء قطع تبديلية من الشركة نفسها المرخص لها بإجراء الفحص الفني في مراكزها، كونها مرخص لها بتجارة قطع التبديل للآليات بكافة أنواعها!
والحديث هنا عن مليارات إضافية كأرباح سنوية طبعاً، مع بقاء واستمرار الحالة الفنية المتهالكة للآليات طبعاً، كبوابة نهبوية واستغلالية مستمرة دون توقف!
بوابة أرباح تبديل اللوحات قادمة!
بعد صدور القرار الحكومي أعلاه، رشَحَ أن وزارة النقل عازمة على اتخاذ قرار باستبدال لوحات الآليات المعمول بها، وذلك وفقاً لنموذج جديد للوحات، بذريعة ضبط الآليات المسجلة لدى دوائر النقل في المحافظات!
فقد سبق لوزارة النقل أن أعلنت عن نيتها بتغيير نموذج اللوحات المستخدمة لكل نوع من الآليات، وبحسب كل محافظة (أحرف وأرقام ورموز تضمن صعوبة تزويرها)، لكنها لم تنفذ ذلك حتى الآن، لكن يبدو أن الوقت قد أزف مع دخول الشركة الخاصة على خط إجراءات الفحص الفني!
ولكم أن تحسبوا الأرباح الطائلة السهلة والسريعة والإضافية التي سيتم كسبها من قبل الشركة المحظية جراء قرار وزارة النقل بحال صدوره؟!
علماً أن ما سيتم جبايته من جيوب المواطنين لقاء ذلك، لن يقتصر على بدلات إجراءات الفحص الفني فقط، بل مع تكبيد أصحاب الآليات قيم اللوحات الجديدة، التي سيغتني منها حوت كبير محظي من أصحاب الأرباح السهلة والمضمونة والسريعة لا شك!
تناقض رسمي مفضوح!
لا ندري كيف يستقيم مع الحكومة هذا التناقض، فمن طرف تتخلى بكل أريحية عن مبالغ طائلة على حساب وزارة النقل وخزينة الدولة لصالح الشركة الخاصة، وعلى الطرف الآخر تزيد من جبايتها على حساب ومن جيوب المواطنين، من خلال زيادة الرسوم عليهم!
فالحكومة ماضية بسياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة على حساب الجهات العامة ودورها وواجباتها، كما على حساب خزينة الدولة والاقتصاد الوطني، متخلية عن جزء كبير من العائدات المالية لصالح الخزينة العامة، بالتوازي مع سياسات زيادة الجباية على حساب ومن جيوب المواطنين، بذريعة نقص الإيرادات!
ولعل هذا التناقض الفج والمفضوح يعبر تماماً عن السياسات الظالمة المتبعة رسمياً، المنحازة والمجيرة لمصلحة كبار أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين دائماً وأبداً، على حساب مصالح العباد والبلاد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1161