التردي الخدمي يضع حياة وصحة المواطنين على المحك!

التردي الخدمي يضع حياة وصحة المواطنين على المحك!

تستمر أزمات ومشكلات التراجع والتردي الخدمي بانعكاساتها السلبية على المواطنين وصحتهم وسلامتهم، والجهات الرسمية بالمقابل لم ولن تتوصل إلى حلول ناجزة لهذه الأزمات طالما استمرت بسياساتها المجحفة على حالها، وخاصة سياسات تخفيض الإنفاق العام والسياسات الأجرية، فحياة المواطنين وصحتهم وسلامتهم آخر همومها!

ففي حوادث شبيهة ومتكررة بين الحين والآخر، تسمم مؤخراً عشرات المواطنين في قرية «الشيحة» بريف حماة الشمالي نتيجة تلوث مياه الشرب، وذلك حسب ما صرحت به المراكز الصحية، في الوقت الذي نفت فيه مؤسسة مياه حماة أمر التسمم بشكل كلي، مع تكتم على الموضوع في محاولة للتعتيم عليه والتملص من مسؤولياتها تجاهه، كعادة الجهات المعنية، لكن ما لبث أن فُضح الأمر وتناقلته العديد من الصحف والمواقع المحلية، وسط تشكيك بعدد المصابين المصرح به رسمياً!

حياتنا على المحك بلا مسؤولية!

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بالتسمم بين أهالي قرية الشيحة خلال الأسبوع الماضي، فحسب ما صرح به مدير صحة حماة ماهر يونس لإذاعة المدينة أف إم: إنّ عدد حالات التسمّم في بلدة الشيحة وصلت إلى 100 حالة، وكانوا يعانون من أعراض إسهال وإقياء وآلام بطنية.
بالمقابل نفت مديرية المياه والصرف الصحي في حماة ذلك، حيث أكدت مديرة المياه سوسن عرابي أن المياه سليمة وضمن المواصفات القياسية السورية وليست السبب!
ليؤكد مجدداً مدير صحة حماة ماهر يونس، عبر حديثه مع صحيفة تشرين، أن التحاليل المخبرية هي من يؤكد أو ينفي، وهذا ما أكدته تحاليل مخابر مديرية صحة حماة، بالنسبة لإصابات بلدة الشيحة، وتابع: إنهم أخذوا العديد من العينات من مياه الشرب من أحد الآبار الذي يتم ضخ المياه منه إلى خزان مياه الشرب، فكانت النتائج بأن هذا البئر هو السبب نظراً لعدم كلورة المياه، والبئر ملوث، وبأن مديرية الصحة قامت بإرسال هذه التحاليل المخبرية إلى المحافظ للاطلاع والإيعاز لمن يلزم لضرورة كلورة مياه البئر المذكور، والذي أكد بدوره على مؤسسة المياه في حماة بضرورة تقديم كشوفات توضح حالة جميع الآبار الموصولة على شبكات مياه الشرب، في الوقت الذي تقول مصادر مؤسسة المياه بأنها تقوم بعملية كلورة المياه بشكل مستمر، وبنفس الوقت هناك مصادر طبية تحذر من احتمال انتشار مرض التهاب الكبد الوبائي أو الكوليرا!
وبين التأكيد والنفي والتحذير أعلاه هناك بشر يتعرضون لحالات صحية ومرضية مؤلمة لا يجوز أن تحدث أو تستمر!
فالجهات الرسمية تبدو وكأنها تتبادل التهم وتتقاذف المسؤوليات للتهرب منها، مقابل معاناة مئات المواطنين على اختلاف أعمارهم، أطفالاً وشيوخاً وشباباً، من آلام التسمم، ووسط واقع اقتصادي ومعيشي أكثر من سيء (بسبب السياسات الظالمة أيضاً)، يتعذر معه على العديد من الأسر المفقرة زيارة الطبيب أو شراء الأدوية، لتقرر الصبر على آلامها حتى تتفاقم وتصبح غير محتملة بالنسبة لها!
فهل من المقبول، وتحت أي ذريعة ومبرر، أن يتسمم أهالي قرية كاملة؟
وهل من المعقول أن تتجادل الجهات المعنية أمام كارثة إنسانية، في حين ينتظر المواطنون إرسال نتائج التحاليل للمحافظ، الذي اكتفى بالتوجيه إلى مؤسسة المياه بمطالبتها بكشوفات توضح حالة الآبار، وكأن ذلك ليس من واجباتها أصلاً؟
ليؤكد هذا الواقع المأساوي على ترهل الواقع الخدمي وانحداره المستمر، وسط تملص من المسؤولية على حساب صحة الناس والاستهتار بحياتهم!

هل كلورة المياه لوحدها تكفي؟

في الوقت الذي يقتصر عمل الجهات المعنية في مؤسسة المياه على مزج الكلور مع الماء لتعقيمه قبل ضخه في الشبكة، بحيث يصبح صالحاً ومطابقاً للمواصفة القياسية افتراضاً، نتساءل هل هذا الإجراء يكفي، أم إنه مجرد ذر للرماد في العيون بأنها تقوم بواجبها تجاه صحة وسلامة المواطنين على أتم وجه، لتريح ضمائرها، إن وجدت؟!
فالمقلق هنا، بحسب بعض الأخصائيين، أن زيادة نسبة الكلور بالماء تضر ولا تنفع، وذلك لما له من تأثيرات سلبية، خاصة إذا تحول إلى مركّبات أخرى عضوية (مشتقات الكلور) المسرطنة، فمادة «كلور أفورم» تتحول تحت تأثير أشعة الشمس إلى مركبات خطيرة ومسرطنة، إضافة إلى أن غالبية المعقمات المستخدمة خاصة بالجراثيم، وليس بالملوثات العضوية والمعدنية!
فالكلور آمن في حال كانت المياه محصنة ولا توجد فيها ملوثات عضوية، أو كانت المياه مكشوفة!
فهل يقتصر دور الجهات الرسمية على ذلك؟
وماذا عن إعادة تأهيل شبكة المياه وشبكة الصرف الصحي؟
وماذا عن التحاليل المستمرة والكشف الدوري الدائم افتراضاً، أمام مثل الحالات المسجلة أعلاه والمتزايدة؟
كل هذا وأكثر من مهام ومسؤوليات مؤسسة المياه والصرف الصحي افتراضاً، لكن وعلى ما يبدو ما زالت ذريعة التلوث بمياه الصرف الصحي مقبولة لدى المعنيين، ليضاف إليها ذريعة عدم تابعية بعض الآبار لمؤسسة المياه!
فكل ما سبق، مع غيره الكثير، ذرائع ومبررات للتملص من المسؤولية والواجبات تجاه المواطنين!

للتذكير!

سبق في الصيف الماضي أن أصيب العديد من المواطنين بالتهاب الكبد، مع إسهالات وإقياءات، وذلك في قرية حيالين في مصياف، حيث تم تسجيل 106 إصابات بالتهاب الكبد الفيروسي (A)، وقبلها قرية البياضية كذلك الأمر على مستوى الإصابة بالتهاب الكبد!
كما وأصيب العشرات من سكان منطقة وادي بردى في ريف دمشق بحالات تسمم، حيث صرح مدير صحة دمشق ياسين نعنوس حينها للصحف الرسمية، أن /79/ من أبناء منطقتي أشرفية الوادي وجديدة الشيباني في ريف دمشق نقلوا للعلاج في المشافي، وغيرها الكثير من الحوادث الشبيهة المسجلة خلال السنوات الطويلة الماضية!
والمتهم بكل حالات الإصابة التي تم رصدها في المناطق أعلاه كانت المياه، سواء بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى شبكة مياه الشرب (وهو الغالب)، أو بسبب الاضطرار للجوء إلى مصادر مياه (آبار أو ينابيع) في بعض المناطق لغياب المياه عن الشبكة الرسمية، أو بسبب غياب الرقابة عن الصهاريج التي تستغل الحاجة للمياه!
والسؤال الذي يفرض نفسه أخيراً، كيف يمكن أن يعفى الرسميون على مختلف مستوياتهم، من مسؤولياتهم وواجباتهم، أو غض الطرف عنها والتستر على الاستهتار فيها، في ظل استمرار تسجيل الإصابات والعوامل الممرضة بين المواطنين بسبب التراجع والتردي الخدمي، ونتيجةً لجملة السياسات المجحفة المتبعة رسمياً؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1161
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 10:38