رفع سعر المازوت.. تعميم للجوع وتكريس للسوق السوداء بدلاً من تجفيفها!
تمضي سياسات إنهاء الدعم الظالمة بمسيرتها، غير عابئة بانعكاساتها السلبية على الواقع الاقتصادي في البلاد، وبنتائجها الكارثية على حياة ومعيشة الغالبية المفقرة!
وآخر ما حرر بهذا الشأن أنه تم تحديد سعر المازوت للآليات، باستثناء آليات النقل الجماعي للركاب، بموجب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم /1/ تاريخ 2/1/2024، بمبلغ 11880 ليرة/ليتر!
وبموجب القرار رقم /2/ بنفس التاريخ تم تحديد تعرفة نقل البضائع والمواد في السيارات الشاحنة التي تحصل على المازوت بسعر التكلفة بـ523 ليرة/طن/كم!
وبحسب «مصدر» في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نقلاً عن صحيفة الوطن بتاريخ 4/1/2024، أن «سعر المازوت الجديد أصبح مقارباً لسعره في السوق والذي يصل إلى 12 ألف ليرة، وهذا من شأنه تجفيف السوق السوداء التي تخلق من وجود سعرين للمادة الواحدة، لذا فإن هذا القرار يعد إيجابياً»!
فكيف انعكست القرارات أعلاه على حياة ومعيشة الغالبية المفقرة من المواطنين؟!
وهل كان القرار إيجابياً فعلاً على مستوى تجفيف السوق السوداء؟!
مهماز رسمي لفوضى الأسعار والمزيد من الاستغلال!
مضى أسبوع على قرار زيادة سعر المازوت للشاحنات بشكل رسمي أعلاه، وقد كان كفيلاً بزيادة أسعار كافة البضائع والسلع في الأسواق بنسب كبيرة متفاوتة!
فزيادة تكاليف نقل البضائع استناداً للقرار رقم /2/ أعلاه ساهم بشكل مباشر ومبرر بالزيادات السعرية في الأسواق، مع تعزيز حال الانفلات السعري غير المبرر فيها أكثر وأكثر!
فتعقيباً على قرار تسعيرة نقل البضائع بيّن رئيس اتحاد شركات نقل البضائع صالح كيشور في تصريح لصحيفة الوطن بتاريخ 4/1/2024 أنه «تم تقديم تكلفة النقل الحقيقية لوزارة التجارة الداخلية لتكون الأسعار الرسمية مطابقة لها، إلا أن السعر الجديد الذي أصدرته الوزارة غير منصف ويساوي 50% من التكلفة المقدمة، ولم يلحظ كل التكاليف غير المنظورة التي يتكبدها السائقون على الطرقات كأسعار المازوت بالسوق السوداء، وتكاليف إصلاح الشاحنات، ناهيك عن الضرائب المفروضة على الشاحنات»!
وقد اعتبر أمين ســر جمعية حمايــة المســتهلك عبد الرزاق حبزه أن «هذا القرار سيكون شمّاعة للتجار أمام المستهلكين لرفع الأسعار خلال الفتــرة القادمة، ولكــن لا يمكن التنبؤ بنســبته حالياً لأن ذلك يعود إلى قناعة التجار، موضحاً أن أسعار النقل وحوامل الطاقة لها تأثير كبير على أسعار السلع وتشكل نحو 25% من السعر النهائي للمادة»!
التصريحات أعلاه تؤكد أن الزيادة السعرية على المازوت ونقل البضائع تعني فرض المزيد من الزيادات السعرية على المواد والسلع في الأسواق والمزيد من عوامل الاستغلال والمزيد من الفوضى السعرية فيها، والمهماز في كل ذلك رسمي!
مزيد من الاستنزاف والجوع المعمم!
من المفروغ منه أن الزيادات السعرية على السلع والمواد والبضائع في الأسواق ستجبى من جيوب المواطنين بالمحصلة، وعلى حساب ضرورات حياتهم، وهو ما تمت الإشارة إليه من قبل أمين سر جمعية حماية المستهلك بقوله إن «المواطن يعد المعني الوحيد برفع أجور الشحن على اعتبار أنه يتحمل التكلفة النهائية للسلع، معتبراً أن التصريحات التي تدلي بها الجهات المعنية حول جهودها لتوحيد الأسعار ما هي إلا تمهيد لرفع الدعم بشكل خجول وغير معلن، إضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع جديد لسعر مادة المازوت في السوق السوداء، وخاصة في حال عدم توافر المادة التي توزعها الحكومة»!
والخلاصة فإن زيادة سعر المازوت ورفع أسعار نقل البضائع كمهماز رسمي، بذريعة توحيد الأسعار وتنفيذاً لسياسات تخفيض الدعم، يعني زيادة على أسعار كافة البضائع والسلع في الأسواق بنسب كبيرة، وخاصة الغذائية منها، ويعني بالمحصلة مزيداً من استنزاف واستغلال جيوب المستهلكين، والمتضرر الأكبر من كل ذلك هم الغالبية من محدودي الدخل والمفقرين، الذين ستنعكس عليهم هذه الزيادات السعرية على شكل المزيد من جرعات الإفقار والجوع المعمم في أوساطهم!
فقد سبق أن وصل هؤلاء إلى الحدود الدنيا من معدلات الاستهلاك، فإلى أي درك ستنحدر معدلات استهلاكهم أكثر مما وصلت إليه في ظل الاستمرار بسياسات إنهاء الدعم المجحفة والإفقار المعمم إلى درجة الجوع؟!
المازوت وتعدد سعر التكلفة الرسمي!
بموجب القرار رقم /4230/ تاريخ 24/12/2023 تم تحديد سعر المازوت الحر للقطاع الصناعي بمبلغ 10900 ليرة/ليتر، وهذا السعر هو سعر التكلفة بحسب حيثيات القرار!
وبحسب القرارين رقم /1-2/ أعلاه كان سعر التكلفة للمازوت بمبلغ 11880 ليرة/ليتر!
السعران الرسميان أعلاه ساريا المفعول، والفارق الزمني بينهما أسبوع واحد، ومع ذلك هناك تفاوت بسعر تكلفة المازوت فيهما!
فأي سعر هو سعر التكلفة الفعلي الرسمي؟!
وهل يحق لنا التساؤل عن كيفية حساب سعر التكلفة في ظل التفاوت السعري أعلاه البالغ 980 ليرة بكل ليتر؟!
وأمام هذا التعدد السعري الرسمي كيف يمكن الحديث عن تجفيف السوق السوداء، بحسب المصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أعلاه، كذريعة جديدة لتبرير الزيادة السعرية على مادة المازوت؟!
المشتقات النفطية وتجفيف السوق السوداء!
لا شك أن التعدد السعري الرسمي للمشتقات النفطية عموماً يساهم بشكل أو بآخر بزيادة نشاط السوق السوداء عليها، لكن ذلك ليس السبب الوحيد في ذلك!
فما يجب التأكيد عليه أن نشاط السوق السوداء ما كان له أن يستمر لولا استمرار الفجوة الكمية بين الاحتياجات الفعلية والمخصصات للقطاعات والفعاليات الاقتصادية المختلفة!
فمع كل زيادة سعرية رسمية على المشتقات النفطية يتم التذرع بأنها من أجل تأمين احتياجات الفعاليات الاقتصادية منها، والأمر لا يتم، ما يضطر هذه الفعاليات للجوء إلى السوق السوداء لتأمين كفايتها منها، وهذا الأمر ينطبق على المخصصات المدعومة والمسقوفة للاستهلاك المنزلي من هذه المشتقات أيضاً (مازوت التدفئة- أسطوانات الغاز)!
هذه الفجوة بين الاحتياج الفعلي والمخصص المسقوف دون الحاجة، فسح المجال ليس لزيادة نشاط السوق السوداء، بل ولزيادة عوامل الاستغلال فيها على مستوى السعر!
فعلى سبيل المثال فقد وصل سعر المازوت في السوق السوداء إلى 15000 ليرة/ليتر، وليس كما قال المصدر الوزاري أعلاه بأنه 12000 ليرة/ليتر!
على ذلك فإن الفارق بين سعر التكلفة الجديد للمازوت البالغ 11880 ليرة/ليتر، وسعر السوق السوداء البالغ 15000 ليرة/ ليتر، هو 3120 ليرة بكل ليتر مازوت، وهو هامش استغلالي كبير عبر شبكات السوق السوداء لمصلحة القائمين عليها، ولا ضمان أن هذا الفارق لن يزيد مع الزيادة السعرية الرسمية الأخيرة على مادة المازوت!
فقد جرت العادة أنه مع كل زيادة رسمية على أسعار المشتقات النفطية ترتفع أسعارها في السوق السوداء، والسبب الرئيسي في ذلك هو استمرار الفجوة بين الاحتياج الفعلي والمخصص المسقوف دون الحاجة للفعاليات والأنشطة الاقتصادية في البلاد على اختلافها، بما في ذلك احتياجات الاستهلاك المنزلي طبعاً!
خسارة الدعم وتكريس السوق السوداء بأرباحه المليارية!
أما الكارثة بهذا الشأن فهي الاستمرار بمساعي إنهاء التعدد السعري الرسمي للمشتقات النفطية تحت مسمى سعر التكلفة، وصولاً إلى إنهاء ما تبقى من دعم مخصص لها وباسمها بذريعة تجفيف السوق السوداء، مع استمرار الفجوة بين الاحتياجات والمخصصات، الأمر الذي لا يعني خسارة الدعم فقط، بل ويعني أيضاً استمرار عوامل الاستغلال عبر السوق السوداء لتأمين الاحتياجات، وهو ما يجري عملياً وكأنه غاية بذاته!
فعلى الرغم من إنهاء الدعم على المشتقات النفطية للكثير من الفعاليات الاقتصادية، فما زالت هذه الفعاليات تضطر للجوء إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاتها من هذه المشتقات بسبب قلة مخصصاتها وعدم كفايتها لمزاولة أنشطتها!
فسياسات تخفيض الدعم الجارية على المشتقات النفطية وصولاً إلى إنهائه، وفقاً للسيناريوهات المعمول بها على مستوى زيادة الأسعار والمخصصات غير الكافية، لا يعني التحرير السعري لهذه المشتقات فقط، بل ويعني بكل بساطة تكريس السوق السوداء وليس تجفيفها، أي تكريس هوامش الربح الاستغلالية الكبيرة التي تستفيد منها شريحة حيتان هذه السوق، والحديث هنا عن مئات المليارات من الليرات السورية شهرياً!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الزيادات السعرية على المشتقات النفطية، سواء الرسمية أو عبر شبكات السوق السوداء، التي تتكبدها الفعاليات الاقتصادية بمختلف أنشطتها، تتم إضافتها على تكاليفها، وبالتالي على أسعار سلعها وخدماتها، والتي تجبى بالمحصلة من جيوب المواطنين كما أسلفنا!
مصادر السوق السوداء ومصالح القائمين عليها!
كانت شركة سادكوب الحكومية هي الجهة الوحيدة المعنية بتوزيع وبيع المشتقات النفطية كجهة رسمية تحتكر هذه العملية، فيما تعتبر وزارة النفط هي الجهة الوحيدة الرسمية المعنية بتأمين توريدات هذه المشتقات لشركة سادكوب، سواء من الإنتاج المحلي أو من خلال عمليات الاستيراد، ثم تم كسر هذا الاحتكار من خلال السماح لبعض الشركات الخاصة المحظية بتأمين وتوزيع وبيع بعض المشتقات لبعض الفعاليات الاقتصادية بحسب مخصصاتها، كخصخصة جزئية بهذا القطاع الحيوي والهام جرى تمريرها خلال السنوات الماضية بذريعة الحصار والعقوبات!
أما الإتجار بالمخصصات المدعومة، والتي يتم تسليط الضوء عليها منفردة عند الحديث عن السوق السوداء بين الحين والآخر من قبل الرسميين، فقد أصبحت كمياتها محدودة جداً، إن كان بسبب إجراءات تخفيض الدعم الجائرة المتتابعة، وصولاً إلى إنهائه على بعض الفعاليات، أو من خلال الآليات المتبعة للرقابة على المتبقي منها، بما في ذلك تعميم أجهزة التتبع الإلكتروني للآليات ووسائط النقل والمواصلات!
على ذلك فإن ما يوجد في السوق السوداء من كميات كبيرة ومفتوحة لبعض المشتقات النفطية (مازوت- بنزين- غاز) مصدرها إما شركة سادكوب، أو من خلال الشركات الخاصة الجديدة، أو عبر التهريب، وكل ذلك عبر مسارب شبكات النهب والفساد المتعاونة مع شبكات السوق السوداء، وهذه وتلك تصب أرباحها في جيوب القلة من كبار حيتان أصحاب الأرباح، على حساب الاحتياجات من هذه المشتقات!
ومن المفروغ منه أن مصالح هؤلاء الحيتان تقتضي أن تستمر الفجوة على مستوى تأمين الاحتياجات من المشتقات النفطية كي تستمر شبكاتهم في العمل حاصدة الأرباح الكبيرة لمصلحتهم!
فالسياسات الظالمة التي تم الاتكاء عليها لتخفيض الدعم وصولاً إلى إنهائه، هي نفسها السياسات المحابية لمصالح كبار الحيتان والحامية لهم، وهي نفسها من تبقي الأزمات وتخلق المزيد منها لتمرر من خلالها مصالح هؤلاء وتكرسها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1156