جواز السفر مُجدداً!

جواز السفر مُجدداً!

لا أحد يعلم ما هي تلك المبررات التي تفرض رفع رسوم جوازات السفر بين الحين والآخر، ووصول مبالغ الحصول على الفوري منها مؤخراً إلى الملايين رسمياً، وليصبح جواز السفر السوري هو الأعلى سعراً بالمقارنة مع غيره، والأقل مرتبة على مستوى عدد الدول التي تمنح حامليه إمكانية الدخول إليها بلا تأشيرة مسبقة، سوى أنه حاجة اضطرارية دخلت حيز التقنين عبر الأقنية الرسمية، وحيّز الاستغلال عبر الأقنية غير الرسمية؟!

فبتاريخ 20/12/2023 تم تداول صورة تعميم صادر عن المصرف التجاري السوري، يتضمن رفع رسوم جواز السفر الفوري إلى مليوني ليرة، وبنسبة زيادة على الرسوم المعمول بها بواقع 100% دفعة واحدة، وذلك استناداً إلى تعميم وزارة الداخلية بنفس التاريخ!
أما الفاقع فهي مفردة «خدمة» بهذا الصدد!
فكيف لخدمة أن تصل إلى هذا المبلغ المرقوم، وما هي التكاليف التي تتكبدها وزارة الداخلية حقيقة لقاء تقديمها لهذه الخدمة؟
وهل هناك خيارات بديلة أيسر، وأقل تكلفة يتم غض الطرف عنها؟!

رسم مرتفع لا يوازي التكاليف!

التعميم الصادر عن المصرف التجاري، والموجه إلى مديرياته وفروعه، يتضمن الكثير من التفصيلات بما يخص تفنيدات هذا الرسم الكبير الجديد كمبالغ ونسب، مع تسميات كل منها والغاية المسماة من أجلها (رسم أمن عام- رسم طابع مالي- طابع مجهود حربي- رسوم إدارة محلية- رسوم إعادة الإعمار- رسم طابع شهيد...) وكأن هذه التفصيلات والتفنيدات، على كثرتها، يمكن اعتبارها مبرراً للزيادة الكبيرة على رسم جواز السفر الفوري!
فالتكاليف، بعيداً عن تفصيلات ومفردات الرسم الواردة في تعميم المصرف التجاري، تتضمن بالنسبة لوزارة الداخلية افتراضاً قيمة الورق الخاص، الذي تم اعتباره أحد أسباب التأخر بإنجاز جوازات السفر، وتسليمها خلال الفترات السابقة، كونه مستورداً وتطاله كغيره من المستوردات إجراءات العقوبات والحصار، كما تضاف إليه هوامش ربح زائدة بذريعتها، وكذلك أثمان الأحبار الخاصة والتجليد الفني، مع التكاليف والنفقات الأخرى الخاصة بالتجهيزات والأجور وغيرها، والإضافة الأخيرة هي ثمن الرقاقة الإلكترونية المبرمجة لتتضمن معلومات حامل جواز السفر، وهي أيضاً مستوردة، ما يعني خضوعها أيضاً لأهواء المستوردين وذرائعهم وهوامش أرباحهم الإضافية!
لكن هذه التكاليف، مهما ارتفعت بمجموعها، لا تبرر وصول رسم الخدمة إلى مئات الآلاف أو الملايين من الليرات السورية!
علماً أنه كان من المتوقع أن يتم تخفيض الرسوم بدلاً من زيادتها، وخاصة بعد الإعلان الرسمي عن تقديم مواعيد تسليم جوازات السفر للمسجلين سابقاً عبر المنصة، وصولاً لاختصار مدة 6 أشهر دفعة واحدة على بعض المواعيد المحددة مسبقاً عبر المنصة، ما يعني أن معيقات إنجاز مهمة تقديم الخدمة للمواطنين تم تجاوزها، وخاصة على مستوى مستلزماتها المستوردة وتكاليفها وإمكانية الالتفاف على إجراءات الحصار والعقوبات بما يخصها، ولعل مهمة إنجاز تسليم جواز السفر الفوري بنفس يوم تقديم الطلب، مؤشر آخر على أنه لم يعد هناك مشكلة بهذا الخصوص!

ميزة وحيدة فقط لا غير!

الميزة الوحيدة والمكلفة التي رافقت الإعلان عن مضاعفة الرسم على جواز السفر الفوري بملايينه الاثنين، أن الحصول عليه لم يعد يتطلب التسجيل وحجز الدور عبر المنصة الإلكترونية سيئة الصيت، بل يتم تسليمه بنفس يوم تقديم الطلب، بعد استكمال الثبوتيات طبعاً، بما في ذلك إشعار التسديد المصرفي!
أما الحصول على جوازات السفر (العادي والمستعجل) فتتم من خلال المنصة الإلكترونية كما هي الحال عليه، والتي أثبتت التجربة أنها مهيمن عليها من قبل بعض مكاتب الخدمات في المحافظات، ومن خلال بعض أدواتها العاملة عبر الفضاء الإلكتروني، كشبكات عاملة ونافذة تفرض المزيد من العمولات الاستغلالية على المواطنين من أجل القيام بعمليات حجز الدور على المنصة، وملء المعلومات المطلوبة فيها عن صاحب العلاقة، مع تحميل الملفات المطلوبة أيضاً، بما في ذلك إشعار تسديد الرسم، ولتتضاعف الرسوم على المواطنين بالنتيجة!
فعلى الرغم من تهاوي ذرائع توفر المستلزمات المستوردة من أجل جوازات السفر، وعلى الرغم من زيادة الرسوم بين الحين والآخر، وتقليص مدد الانتظار للاستلام، إلا أن ذلك لم يحد من هيمنة وسطوة بعض المكاتب الخدمية على المنصة الإلكترونية، وهذا وذاك لم يحد من عوامل استغلال حاجة المواطنين لجواز السفر، لا من قبل وزارة الداخلية مباشرة عبر فرض زيادة الرسوم دون مبررات، ولا من قبل شبكات النهب والفساد والاستغلال!

تكريس الشذوذ ورفض الخيارات البديلة الأقل تكلفة وجهد!

مع الزيادة الرسمية على رسم جواز السفر الفوري بنسبة 100%، وصولاً إلى رقم مليوني ليرة، تم تكريسه شذوذاً لقاء خدمة غير مكلفة بهذا الشكل الفج، لا ندري ما في جعبة وزارة الداخلية من مستجدات بما يخص رسوم بقية جوازات السفر لاحقاً (العادي والعاجل)، وما سينتج عنها من شذوذ أكبر على أيدي شبكات النهب والفساد والاستغلال!
ولم لا، فالمضطرون من السوريين لجوازات السفر قائمة طويلة ومتجددة، ولا تنتهي داخلاً وخارجاً، فعوامل النبذ الداخلية، الكثيرة والشاذة هي الأخرى- دون الحاجة لتعدادها- وحدها كفيلة بفتح هذه القائمة دون إغلاق، خاصة مع المدة الممنوحة كصلاحية لهذه الوثيقة، مع الإصرار على عدم تجديدها بيسر وسهولة من خلال لصاقة تجديد رسمية، بدلاً من إعادة الإصدار الكلي لجواز السفر، كخيار بديل قابل للتطبيق، وتم اقتراحه وتكرار المطالبة به خلال السنوات الماضية، وخاصة مع ذرائع تكاليف الورق المستورد، وبقية المستلزمات المستوردة الأخرى وصعوبات تأمينها!
علماً أن ذلك كان معمول به سابقاً، ويتم العمل به من قبل الكثير من الدول، وبالواقع التنفيذي يعني الكثير من الوفر في المال، وفي الجهد وفي الوقت!
لكن عبثاً، فغض الطرف عن إمكانية تنفيذ هذا الإجراء، يتطابق مع غض الطرف عن مصالح الناس والتخفيف عنهم، ويكرس عوامل النهب والفساد والاستغلال بحقهم!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154