زلزال كارثي وبرود حكومي ومتضررون مزمنون!

زلزال كارثي وبرود حكومي ومتضررون مزمنون!

هل تتذكرون زلازل 6 شباط و20 شباط بكوارثها وضحاياها ومتضرريها ومتشرديها، إن كنتم نسيتم فالحكومة لم تنسَ، فهي بين الحين والآخر تخصص جزءاً من اجتماعاتها للحديث عن هؤلاء، بغض النظر عن إنجازاتها الفعلية تجاههم!

مقابل ذلك، فإن لسان حال هؤلاء المنكوبين يقول: «اللي عم ياكل العصي مو متل اللي عم يعدها»، فعامل الزمن، الخفيف على الحكومة بإجراءاتها البطيئة، ثقيل عليهم، وعلى تفاصيل حياتهم الجحيمية، منذ تاريخ وقوع الكارثة، وحتى الآن، فالكثير من هؤلاء ما زالوا مشردين، غير خساراتهم المؤلمة الأخرى، والتي منها: سقوط ضحايا من أسر بعضهم!

آخر ما حُرر رسمياً!

اطلعت الحكومة خلال اجتماعها بتاريخ 19/12/2023 على تتبع تنفيذ خطة العمل الوطنية للتعاطي مع تداعيات الزلزال، في مجال إغلاق مراكز الإيواء المؤقتة، واستكمال إنجاز ملف السلامة الإنشائية، ومعالجة بعض الحالات الخاصة، من خلال إعادة تأهيل وترميم المنازل المتضررة، لتتمكن العديد من الأسر من العودة إلى منازلها.
وكان قد سبق ذلك بتاريخ 17/12/2023 اجتماع لمجلس إدارة الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، والذي جرى خلاله تتبعاً لواقع تنفيذ خطة عمل الصندوق في مجال تقديم الدعم للمتضررين وفق الشرائح المعتمدة، ونتائج عمله وقيمة الدعم المقدم حتى الآن للمتضررين وتوجهات عمل الصندوق خلال العام 2024.
وخلال الاجتماع، شدد رئيس مجلس الوزراء على اتخاذ كل ما يلزم لتشجيع المتضررين على المبادرة، وتقديم طلبات للحصول على الدعم في ظل حزمة الإجراءات والقرارات الميسرة، مشيراً إلى الحرص على إعطاء المتضررين حقوقهم ومساعدتهم على استعادة حياتهم الطبيعية!
ما سبق أعلاه على المستوى الرسمي، يوضح بداية أن الحكومة تتعامل مع الكارثة بكل برود، فخطتها الإنقاذية طويلة الأمد، حيث ما زالت هناك بعض الملفات التي لم تستكمل حتى تاريخه، على الرغم من مضي 10 أشهر على الكارثة، ودعم المتضررين من الصندوق المحدث باسمهم لم يستكمل كل شرائحهم، مع فترة زمنية مفتوحة خلال عام 2024 لاستمرار عمل الصندوق، وربما يطول الأمر أكثر من ذلك، وفوق ذلك التوجه بإغلاق مراكز الإيواء المؤقتة، التي لم يعلن عن العدد المتبقي فيها!
أما المفارقة، فهي حديث رئيس الحكومة عن تشجيع المتضررين للمبادرة بتقديم طلبات الحصول على الدعم!
وربما هنا يجب التوقف قليلاً، فلو كان الدعم المقدم حكومياً مغرياً للمتضررين لما كان هناك من داعٍ للحديث عن التشجيع، لكن على ما يبدو فإن الدعم غير مغرٍ لهؤلاء، أو يتطلب الحصول عليه الكثير من الصعوبات والمعيقات، وإلا فما المانع أمامهم غير ذلك؟ طبعاً مع عدم إغفال عوامل الفساد والمحسوبية التي تتسرب وتتغلغل في كل مفاصل العمل الحكومي!

بعض التفاصيل الرقمية!

استعرض مدير الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال- فارس كلاس خلال اجتماع مجلس إدارة الصندوق- نتائج عمل الصندوق المحققة، وأوضح: أن 374 متضرراً حصلوا على الدعم بقيمة إجمالية تتجاوز الـ 18 مليار ليرة سورية للشريحتين ( AوB)، مشيراً إلى العمل لجمع بيانات شريحة جديدة من المتضررين شريحة C)) والتي تستهدف مالك سكن تم أو سيتم هدم مسكنه في منطقة منظمة أو غير منظمة.
الأرقام أعلاه، بعد مضي 10 أشهر على الكارثة، تبين أن كل متضرر حصل على مبلغ يقارب 48 مليون ليرة من الصندوق، ومع ذلك فإن هذه الأرقام عن أعداد المتضررين المستفيدين من الصندوق تعتبر ضئيلة بالمقارنة مع أعداد المتضررين الفعليين!
فعلى سبيل المثال، كانت القائمة الأولى التي صدرت عن محافظة اللاذقية في شهر أيار الماضي بأسماء المتضررين في بعض العقارات التي تهدمت كلياً، أو جزئياً جراء الزلزال، أو التي أقرت لجان السلامة العامة أنها «متصدعة» وبحاجة إلى هدم أو تدعيم، تتضمن 537 اسماً من المتضررين، توزعت بين مدينتي اللاذقية 296 متضرراً، وجبلة 241 متضرراً!
والقائمة الأولى التي صدرت عن محافظة حلب، خلال شهر أيار الماضي أيضاً، المتضمنة أسماء المتضررين الذين انهدمت مبانيهم وعقاراتهم كلياً نتيجة حدوث الزلزال في عدد من أحياء مدينة حلب بعدد /243/ عائلة!
على ذلك، فإن الأعداد في قائمتي كل من اللاذقية وحلب الأوليتين خلال شهر أيار، كانت تتضمن 780 عائلة متضررة، وبالتالي، فإن أعداد المستفيدين من الصندوق لم تصل نسبتهم إلى 50% من أعداد المتضررين المسجلين بالقوائم في هاتين المحافظتين فقط، بل وليس في كل المناطق المنكوبة فيهما!

سيطول المطال بالسكن البديل!

الحديث الرسمي أعلاه عن نشاط صندوق دعم المتضررين هو مالي فقط، بينما الحديث عن السكن البديل لهؤلاء المتضررين فله شجون أخرى!
ولن نخوض هنا في المشاريع التي تم الإعلان عنها بما يخص تأمين السكن البديل للمتضررين من الزلزال بمساعدة وتمويل إماراتي، فحتى تاريخه، وعلى الرغم من كثرة التصريحات الخاصة بهذا الشأن، والتغطية الإعلامية لها، إلا أن هذه المشاريع ما زالت بعيدة المنال عن المتضررين على ما يبدو!
بالمقابل، فقد كشف مدير التسليف ومعاون المدير العام في المصرف العقاري أكرم درويش لصحيفة «الوطن» بتاريخ 17/12/2023 أن المصرف بصدد منح قرض للمؤسسة العامة للإسكان بما يخص المتضررين من الزلزال، لبناء سكن بديل للشريحة (B)، أي المتضررين في مناطق المخالفات والمساكن المخالفة!
وتم تحديد سقف القرض الذي يمنح للشخص المتضرر بمبلغ 160 مليون، 40 مليوناً دفعة أولى عن طريق الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال!
على ذلك، يتبين أن المبالغ المدفوعة من صندوق المتضررين أعلاه، هي بواقع الحال ربما تكون الدفعة الأولى التي منحت لمؤسسة الإسكان بما يخص المتضررين من الزلزال لبناء سكن بديل للشريحة (A)، او بالأحرى من استطاع الاستفادة من ميزات الصندوق المالية من هؤلاء بحسب الأرقام الكلية للمتضررين أعلاه لهذه الغاية، والباقي ربما استفاد بمبالغ نقدية مباشرة كمساعدة!
وما على المتضررين من الشريحتين (A-B) بعد ذلك إلا انتظار مؤسسة الإسكان ونشاطها في تنفيذ المطلوب منها، على مستوى البدء بمشاريع السكن البديل وصولاً لتسليمه، عسى يتم لهم إعادة الاستقرار مجدداً بعد عمر طويل، طبعاً مع تكبدهم تسديد الأقساط المترتبة عليهم لسنين طويلة قادمة، مع عدم ضمان استقرار أسعار مؤسسة الإسكان، فبين الحين والآخر تقوم المؤسسة بإعادة احتساب تكاليف مشاريعها، لتحميل المكتتبين لديها الفروقات السعرية التي تتحمل وزرها بسبب التأخير بالتنفيذ وليس لأي سبب آخر!
أما الشريحة (C) من المتضررين، فإن عليها الانتظار ريثما يتم استكمال بياناتها قبل الوصول لهذه المرحلة، أي المزيد والمزيد من الانتظار!
فالزلازل الكارثية التي حدثت بتاريخ 6 و20 شباط الماضي، وتعرضت خلالها عدة مناطق في محافظات اللاذقية وحلب وحماه لأضرار جسيمة، حاصدة الكثير من الضحايا بكل أسف، وتاركة خلفها آلاف الأسر من المتضررين بدون مأوى، يبدو أنها ستبقى ماثلة بتداعياتها وآثارها ونتائجها، لتحضر على جداول العمل الحكومي لأعوام طويلة في المستقبل، وما على المتضررين إلا انتظار سرعة الأداء الحكومي!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1154