برامج الدعم والاعتمادية لتسويق موسم الحمضيات على حساب الفلاح!
كل عام، ومع بدء جني وقطاف محصول الحمضيات، يبدأ الحديث الرسمي الخلبي عن دعم الموسم ودعم الفلاح، فيما يتم تجيير الدعم الفعلي لحساب شريحة التجار والمصدّرين!
فمع استمرار الحكومة باتباع الآليات ذاتها سنوياً، بما يخص محصول الحمضيات وبرنامج دعم التصدير الخاص به، يتم قطف ثمار هذه الآليات من قبل التجار بنهاية المطاف، بينما يُحرم الفلاح من الدعم، بل ويبقى رهناً مع موسمه تحت رحمة التجار والمصدرين، والنتيجة مزيد من الخسارات للفلاح، ومزيد من التراجع في المواسم المتعاقبة!
برنامج دعم كلف الشحن!
أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية القرار رقم /864/ تاريخ 12/11/2023 المتضمن تحديد الآلية التنفيذية لبرنامج دعم تصدير مادة الحمضيات لموسم 2023-2024.
وتنص المادة الأولى من القرار على منح دعم بنسبة 25% من كلف الشحن البري والبحري للشحنات المُصدّرة خلال الفترة من 1/11/2023 ولغاية 28/2/2024، كما يتم منح دعم بنسبة 10% من كلف الشحن البري والبحري للشحنات المُصدرة خلال الفترة من 1/3/2024 لغاية 30/5/2024.
كذلك يتضمن القرار تحديد المستندات والوثائق المطلوبة للحصول على دعم تصدير مادة الحمضيات، وآخر موعد لاستلام واستكمال الوثائق المطلوبة لصرف الدعم.
لا شك أن برنامج دعم كلف الشحن أعلاه، والممتد لفترة 7 أشهر، إيجابي ويساعد على تسويق جزء من الموسم للأسواق الخارجية، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتم حصاده على مستوى استقطاب القطع الأجنبي لقاء عمليات التصدير وزيادة كمياتها.
بالمقابل من الواضح أن هذا البرنامج موجّه بإيجابياته لمصلحة المصدرين، مع عدم ضمان مصلحة الفلاحين!
برامج الاعتمادية بوابة ضغط إضافية!
أصدرت هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات القرار رقم /121/ تاريخ 15/11/2023 القاضي باعتماد مراكز الفرز والتوضيب في محافظتي اللاذقية وطرطوس، والمستوفية لشروط برنامج الاعتمادية لتسويق المنتجات الزراعية السورية(الحمضيات-التفاح) لموسم /2022-2023/.
وبحسب القرار كان عدد المراكز المعتمدة في محافظة اللاذقية بواقع /10/ مراكز، بينما كان هناك مركزاً واحداً معتمداً في محافظة طرطوس!
كما أصدرت الهيئة القرار رقم /122/ باعتماد مزارع الحمضيات في محافظتي اللاذقية وطرطوس، والمستوفية لشروط برنامج الاعتمادية لتسويق المنتجات الزراعية السورية.
وبحسب القرار كان عدد المزارع المعتمدة في محافظة اللاذقية /44/ مزرعة، وفي محافظة طرطوس /17/ مزرعة معتمدة!
وتجدر الإشارة إلى أن برامج الاعتمادية أعلاه مخصصة لضمان الاشتراطات الخاصة بعمليات تصدير المنتجات الزراعية المحلية، وهي أيضاً إيجابية بعموميتها، لكنها بواقع الحال عامل ضغط على الفلاحين، بينما المستفيد منها هي شريحة المصدرين!
فالالتزام بالشروط للوصول إلى الاعتمادية مكلف، وعلى حساب الفلاح دون أية مبالغ دعم، ما يعني زيادة في التكاليف مع عدم ضمان تعويضها عبر الأسعار بالنتيجة، يضاف إليها عوامل المحسوبية والوساطة والفساد في بعض الأحيان!
الفلاح ضحية الحكومة والتاجر!
فقد الفلاحون كافة أشكال الدعم الحكومي، سواء خلال عملية الإنتاج أو خلال عملية التسويق، بدءاً من مستلزمات الإنتاج وأسعارها المرتفعة والمستمرة بالارتفاع، وصولاً إلى عمليات التسويق والتصدير، المتحكم بها سعراً وكماً من قبل تجار أسواق الهال والمصدرين، وليس انتهاء ببرامج الاعتمادية التي تُقصي الكثير من المزارع من الاستفادة من أسواق التصدير الخارجية!
فالدعم الحكومي لا يغطي شيئاً يذكر من تكاليف مستلزمات الزراعة، لتأتي الضربة الثانية أثناء عملية تسعير الموسم المتحكم بها من قبل التجار عبر آليات العرض والطلب الشكلية، والتي لا تغطي بالنهاية التكلفة الفعلية أو المجزية للفلاح، خاصة مع ضعف قنوات التسويق الداخلي وفائض الإنتاج السنوي الذي يدفع ضريبته الفلاح على حسابه، تليها الضربة الثالثة والمتمثلة بالإجراءات الخاصة بتسويق موسم الحمضيات إلى الأسواق الخارجية، ومنها قرار دعم كلف الشحن وقرارات الاعتمادية أعلاه، التي توضح جهود الرسميين في تذليل الصعاب أمام تجار وسماسرة التصدير عبر منحهم الدعم النقدي المباشر، ليستفيد هؤلاء بالنتيجة من استغلال الفلاح بالسعر المفروض من قبلهم، ومن الدعم النقدي الحكومي بآن معاً!
وهذا السيناريو يتكرر كل عام، على حساب الفلاح وعلى حساب المواطن، فمبالغ الدعم النقدي المجيرة لمصلحة سماسرة التصدير هي أموال تقتطع من جيوب المواطنين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر!
رضينا بالبين!
على الرغم من كل ما سبق أعلاه من ميزات تصب بمصلحة المصدرين على حساب الفلاحين إلا أن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو!
فحسب تصريح رئيس لجنة تصدير الحمضيات: «إن هذا القرار عمره نحو 3 سنوات، ويتم اتخاذه وفق نفس الآلية».
وتساءل عن الأساس الذي تم من خلاله وضع نسبة الدعم «هل هو على أساس البند الجمركي أم على أساس سعر تعهد القطع الأجنبي الذي يدفعه المصدرون لمصرف سورية المركزي؟”.
وبغض النظر عن مشروعية تساؤل رئيس لجنة تصدير الحمضيات أعلاه، تجدر الإشارة إلى أن كل دول العالم تعمل على دعم المنتجين والمصدرين بآن معاً، في حين أن من يتلقون الدعم في سورية هم شريحة السماسرة والمصدرين فقط لا غير!
مع العلم أن دعم القطاع الزراعي من المفترض أن يبدأ من حل مشكلات المُنتِج، أي الفلاح، مع تذليل صعوباته وتقديم الدعم الكافي له، وخاصة على مستوى مستلزمات إنتاجه!
محصول إستراتيجي في مهب الريح!
يُعد محصول الحمضيات الأعلى إنتاجاً من أصناف الفواكه المنتجة محلياً، رغم وجود العديد من الظروف التي تعيق الإنتاجية وتطويرها وتحسينها، وخاصة مستلزمات الإنتاج والتسويق والتصدير.... إلخ!
حيث يبلغ الإنتاج في محافظة اللاذقية لهذا العام حوالي 650 ألف طن، حسب رئيس غرفة زراعة اللاذقية، كما صرح مدير زراعة طرطوس أن إنتاج الحمضيات في محافظة طرطوس يبلغ هذا العام حوالي 174 ألف طن، بزيادة حوالي 20 ألف طن عن العام الماضي، مع العلم أن أرقام إنتاج المواسم السابقة تخطت مليون طن في بعض السنوات!
لكن وككل عام تتكرر الوعود الحكومية لمنع خسارة فلاحي الحمضيات ولا شيء من تلك الوعود يتحقق، مع تكريس الفشل المتعاقب في حل مشكلة تسويق الحمضيات داخلاً وخارجاً، ما دفع بعض الفلاحين إلى اقتلاع الأشجار واستبدال زراعة الحمضيات بزراعات أخرى أكثر جدوى بالنسبة إليهم، أو هجرة الزراعة والأرض نهائياً، وهو ما تؤكده الأرقام المتراجعة للمواسم المتعاقبة!
فهل هذا عجز حكومي حقيقي؟
وهل مساعي إغلاق ملف فائض إنتاج موسم الحمضيات السنوي- من خلال إقامة معمل عصائر ومركزات في المنطقة الساحلية كمطلب محق للفلاحين يضمن تسويق كامل إنتاجهم بأسعار مجزية تحد من خساراتهم- أمر شديد الصعوبة؟!
أم إن كل ما سبق هي خطوات مدروسة لتقليص إنتاج هذا المحصول تباعاً وصولاً إلى إنهائه، مع ضمان ملء جيوب البعض، تجّاراً ومصدرين وفاسدين، دون اكتراث بعواقب ذلك على الفلاحين والاقتصاد الوطني؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1149