مرونة التحرير السعري المشوهة للمشتقات النفطية بالضد من مصلحة الإنتاج والاقتصاد عموماً!
تكاثرت نشرات الأسعار التي تصدرها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً بما يخص المشتقات النفطية (المازوت الحر- الفيول الحر- الغاز السائل الدوغما- البنزين أوكتان 95) الموزعة على القطاع الصناعي الخاص، وبقية الفعاليات الاقتصادية!
فبحسب آخر نشرة سعرية بتاريخ 2/10/2023 تم تعديل أسعار المشتقات النفطية أعلاه على الشكل التالي، البنزين أوكتان 95 بمبلغ 14360 ليرة/ليتر، المازوت الحر بمبلغ 13290 ليرة/ ليتر، الفيول بمبلغ 8994400 ليرة/ طن، الغاز السائل دوغما بمبلغ 11007800 ليرة/ طن!
والملاحظ من النشرة الجديدة أن كل أسعار المشتقات النفطية طرأت عليها زيادة سعرية، وبنسب كبيرة، باستثناء البنزين أوكتان 95 الذي انخفض سعره!
وفي تصريح لصحيفة الوطن بتاريخ 3/10/2023 بين مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن «الوزارة ستقوم كل أسبوعين بإصدار نشرة أسعار جديدة للمشتقات النفطية الخاصة بالقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى، ويتم إصدار هذه النشرة بناءً على واقع الأسعار».
وعلى الرغم أن أحد مطالب الصناعيين والفعاليات الاقتصادية في البلاد أن يتم تسعير المشتقات النفطية بشكل مرن، وبما يتوافق مع متغيرات أسعارها العالمية، إلا أنه لم يتضح من حديث مدير الأسعار أعلاه عن أي واقع أسعار يتحدث!؟
هل هو واقع متغيرات أسعار المشتقات النفطية عالمياً، أم متغيرات سعر الصرف الرسمي محلياً، أم متغيرات سعر الصرف في السوق الموازي؟
وكذلك لم يتم التطرق إلى هوامش الربح المضافة إلى هذه الأسعار لمصلحة المورّدين المحظيين بذريعة الحرب والحصار والعقوبات، وغيرها من المبررات التي تزيد من هذه الهوامش وتبتعد بالتالي عن المتغيرات السعرية سابقة الذكر التي تؤثر على أسعار المشتقات النفطية محلياً، وبالتالي تنعكس سلباً على القطاعات الاقتصادية في البلاد، وخاصة الإنتاجية منها (الزراعي والصناعي)!
أما الغائب من مطالب الصناعيين والفعاليات الاقتصادية فهو الدعم الذي تم ابتلاعه تماماً بموجب النشرات السعرية المتكاثرة للمشقات النفطية المحررة وهوامش أرباحها المضافة!
فمع كل زيادة على أسعار المشتقات النفطية الخاصة بالصناعيين والمنتجين عموماً، وتحديداً الفيول والمازوت، تتزايد الصعوبات على هذا القطاع وخاصة على مستوى زيادة تكاليفه، وبالتالي على أسعار منتجاته، مع تقلص فرصه بالاستمرار في العمل والإنتاج!
ونُذكّر بما ورد في قاسيون بمادتها تحت عنوان: «زيادة كبيرة وغير مبررة على سعر الفيول للقطاع الصناعي المنتج!» بتاريخ 18/5/2023، حيث ورد فيها ما يلي «الانعكاسات السلبية لزيادة سعر الفيول وللتكاليف، وبالتالي للأسعار، سيتم حصادها على مستوى مزيد من تراجع معدلات استهلاك منتجات هذه الصناعات في الأسواق المحلية، وكذلك تراجع تنافسيتها في أسواق التصدير أيضاً، والتي ستؤدي إلى تراجع الإنتاج وتوقفه في بعض هذه المنشآت، مع وقف حال العاملين في هذه المنشآت، أي المزيد من البطالة، والنتيجة مزيد من التراجع الاقتصادي العام في البلاد!».
فالتحرير السعري الذي يتم الاتكاء عليه في تسعير المشتقات النفطية للقطاع الصناعي وللفعاليات الاقتصادية في البلاد، كشكل مرن وبحيث تصدر النشرة الخاصة به كل أسبوعين بحسب مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، هو تحرير مشوّه بسبب الهوامش الكبيرة المضافة إليه لمصلحة بعض الحيتان من أصحاب الأرباح الكبار المتحكمين بهذه المشتقات توريداً وتوزيعاً وبيعاً، سواء كان ذلك بغطاء من وزارة التموين ومديرية الأسعار فيها، أو من وزارة النفط وشركة محروقات التابعة لها، ليضاف هذا التشوه إلى كل التشوهات الناجمة عن السياسات الليبرالية المطبقة لمصلحة القلة القليلة من كبار أصحاب الأرباح فقط، على حساب بقية الشرائح الاجتماعية، والمفقرين خصوصاً، وعلى حساب الإنتاج والاقتصاد الوطني!
فنسبة التحكم المتزايدة بفعل دخول بعض الموردين الكبار من أصحاب الأرباح على خط تأمين المشتقات النفطية للصناعيين، كخصخصة جزئية مباشرة في هذا القطاع، زادت من مستوى تحكم هؤلاء على المستوى الاقتصادي العام، وتحديداً على القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، مع عدم إغفال أن من مصلحة هؤلاء سلفاً التضييق على كل ما هو منتج في البلاد كي يستكملوا تحكمهم وسيطرتهم، وبما يحقق لهم المزيد من الفرص الربحية على حساب ضرب وتقويض الإنتاج المحلي واستبداله بالمستوردات لتغطية احتياجات السوق المحلي وبما يضمن لهم هوامش ربح إضافية وكبيرة!
فهل هذه هي المرونة التي يبحث عنها الصناعيون والمنتجون، وبقية الفعاليات الاقتصادية في البلاد، بما يخص تسعير المشتقات النفطية؟!
أم إنها المرونة المشوهة لمصلحة البعض الكبار من أصحاب الأرباح التي أبعدت الدولة عن جزء إضافي من مهامها وواجباتها، وقلصت بالتالي من دورها، وبحيث يتم الاكتفاء بالنتيجة بإصدار النشرة السعرية كل أسبوعين، كشكل إخراجي لتجميل هذا التشوه فقط لا غير؟!
فالنتائج الكارثية لكل التشوهات في بنية ونموذج السياسات الليبرالية المطبقة لمصلحة كبار أصحاب الأرباح، تحت عناوين التحرير والانفتاح والخصخصة وغيرها من الموبقات المتكاثرة، لن تقف عند حدود مساعي تقويض الإنتاج وزيادة إمكانية التحكم بالواقع الاقتصادي العام، بمباركة حكومية ورسمية منقطعة النظير، بل تجاوزتها لحدود قضم مهام وواجبات الدولة تباعاً كي يستفرد هؤلاء تماماً بمقدرات البلاد وبمصير العباد!
ولا وهم بأن الاستمرار بهذه السياسات الظالمة والمجحفة والمنحازة، وبهذا النهج التدميري المتبع، لا يعني إلا المزيد من التشوهات والأزمات والكوارث، وبأنه لا يمكن حل أية أزمة من الازمات وصولاً إلى الانتهاء من الكوارث، بما في ذلك الأزمة الوطنية الشاملة، إلا بالخلاص من جملة السياسات المتبعة وتشوهاتها والمستفيدين منها، وهو ما يمثل مصلحة وطنية عامة!
لنكرر القول مجدداً، وبلا ملل من التكرار، بأن الحل السياسي، والتغيير الجذري والعميق والشامل، هو المدخل الوحيد للبدء بخلاصنا من هذه السياسات بتشوهاتها وبحواملها وبنتائجها الكارثية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1143