بعد أسبوعين على الافتتاح المدرسي.. مشكلات مدورة دون حلول!

بعد أسبوعين على الافتتاح المدرسي.. مشكلات مدورة دون حلول!

مضى أسبوعان حتى الآن على افتتاح المدارس للعام الدراسي 2023-2024، وقد استقبلت، بحسب سانا، أكثر من 3,700,000 تلميذ وطالب من مختلف المراحل التعليمية أساسي (حلقة أولى وثانية) وثانوي بفروعه (العلمي- الأدبي- المهني..).

فكيف كان الافتتاح المدرسي بعد أسبوعين، وهل تم تجاوز عوائق وصعوبات الأعوام السابقة، أو بعضها؟

بعيداً عن الأضواء الإعلامية!

بغض النظر عن الصورة الوردية التي سعى الإعلام الرسمي لتسويقها عن الافتتاح المدرسي في بداية العام الدراسي، والصور الجميلة المنقولة عبر الصفحة الرسمية لوزارة التربية من بعض المدارس، والتي لا يمكن تعميمها على غالبية المدارس طبعاً، فقد بدا واضحاً ومنذ اليوم الأول أن حال التخبط مع الافتتاح المدرسي على حاله في الكثير من المدارس وذلك لأسباب عديدة، أهمها نقص الكادر التدريسي والإداري فيها، ما شكل عبئاً على مستوى الانضباط في البداية، وبالحد الأدنى لتوزيع الطلاب والتلاميذ على الشعب الصفية!
يضاف إلى ذلك الكثير من العوائق والصعوبات المستمرة، والمجيرة من عام إلى آخر دون حلول، والتي تنعكس سلباً على العملية التعليمية، وبالتالي على الطلاب ومستقبلهم!

وعود وإعلانات زائفة!

سبق الافتتاح المدرسي الكثير من التهليل عن الاستعداد التام لعودة الطلاب، وعن جهوزية المدارس مع تأهب الكوادر!
والمفاجأة بالنسبة للطلاب وذويهم أن أياً مما جرى الإعلان عنه والتهليل له لم يكن متوفراً!
فلا المدارس كانت نظيفة، خاصة دورات المياه، فضلاً عن عدم توفر المياه، ناهيك عن نقص الكادر التدريس في العديد من المدارس، مما اضطر الإدارات للجوء إلى التوكيل والاعتماد على خريجين أو طلاب جامعيين غير مؤهلين وبدون خبرات، بمحاولة لتعويض النقص كما كل عام، وغيرها من القضايا الكثيرة الأخرى!
أضف إلى ذلك أن بعض إدارات المدارس طلبت من المدرسين شراء دفاتر العلامات على حسابهم الشخصي، وذلك لعدم قدرة المدرسة على تأمينها، كما وطلبت من الطلاب شراء الأقلام للسبورة!
ولتسقط بعد كل ذلك ادعاءات الجهوزية والجاهزية، ولتطغى مكانها مساعي تجميل القباحة من خلال التغطية الإعلامية الزائفة!

شعب صفية بلا مقاعد كافية!

مع بدء الموسم المدرسي لهذا العام تم تسجيل الكثير من الملاحظات على مستوى استمرار التراجع والتدهور بما يخص بعض المستلزمات الأساسية في المدارس، مثل نقص المقاعد الصفية!
فالكثير من الشعب الصفية، وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي الحلقة الأولى، يضطر بعض التلاميذ للجلوس على الأرض بسبب نقص المقاعد الصفية فيها!
فقد نشرت إذاعة المدينة إف إم صوراً أظهرت افتقاد بعض من مدارس حلب لمقاعد التلاميذ، حيث يضطر قسم من الطلبة في المدارس الابتدائية إلى الجلوس على الأرض في قاعات المدرسة لعدم توفر مقاعد كافية.
وعلى الرغم من محاولة التقليل من أهمية هذه الصور المنقولة من قبل الرسميين في مديرية تربية حلب، على أنها حالة استثنائية وغير معممة وستتم معالجتها، إلا أن الواقع يقول إن هذه الحال معممة على الكثير من المدارس في القطر، وخاصة في المدارس المهملة البعيدة عن الوزارة وعن مديريات التربية وعن الإعلام!

المدارس تستقبل الطالب مع كرسيه!

في مثال ملموس عن الحال المعمم لنقص المقاعد، فقد أكدت بعض المعلمات ضمن الكوادر التدريسية في مدينة جرمانا قيام إدارات بعض هذه المدارس بتوجيه التلاميذ لإحضار كراسيّ من منازلهم للجلوس عليها، بدلاً من الجلوس على الأرض، والسبب المبرر لذلك الطلب هو زيادة أعداد التلاميذ في الشعب الصفية لأكثر من 75 تلميذاً وتلميذة في الشعبة الصفية الواحدة، وعدم كفاية المقاعد فيها لاستيعاب هذا العدد الكبير!
فالاكتظاظ في الشعب الصفية كبير، وهي مشكلة قديمة ومستمرة منذ سنين دون حلول حتى الآن، والأمر لا يقتصر على مدارس الحلقة الأولى فقط، بل معمم أيضاً على الحلقة الثانية أيضاً!
تقول إحدى المعلمات في مدرسة فايز سعيد محمود بريف دمشق: «تجلس طالبات الإعدادي أربعة في كل مقعد (من المفترض أنه مخصص لطالبتين أو لثلاثة على أبعد الحدود)، وطاولة المعلم تتسع لأربعة أو خمس طالبات، كما واستغنينا كمعلمين عن كراسينا، ورغم ذلك ما زال هناك من يجلس على منصة السبورة، وهذا ما سيغدو غير مقبول مع قدوم فصل الشتاء البارد».

الكتب المدرسية المهترئة!

أخذ موضوع تأمين الكتاب المدرسي حيزاً هاماً من أحاديث السوريين، خاصة بعد تسليم العديد من الطلبة والتلاميذ كتباً مستعملة تتضمن حلولاً للأسئلة، ككتب الرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية، والعديد من الكتب المهترئة والناقصة التي لا تصلح للاستخدام!
فرغم توفر الكتب الجديدة في مستودعات الكتب المدرسية المعتمدة للبيع، وفي بعض المكتبات الخاصة سراً وبأثمان أعلى كون بيع الكتاب المدرسي خارج المستودعات يعتبر مخالفاً، إلا أن الكتب الموزعة في المدارس كانت قديمة وبالية في غالبيتها، مع نقص في بعض منها، وما تم تسجيله بالإضافة إلى ذلك هو واقع المحاباة في توزيع الكتب الجديدة على بعض الطلاب دون سواهم، في تمييز مجحف ينعكس سلباً على نفسية الطلاب!
وقد كانت آلية ضبط بيع الكتب من خلال مستودعات الكتب المدرسية فيها مشقة إضافية على ذوي الطلاب، فبيع الكتب من المستودعات يتطلب الحصول على وثيقة من المدرسة تتضمن العناوين المطلوبة، ومع ذلك فإن المستودعات نفسها لا تتوفر فيها كافة الكتب!
والمفارقة أن المعاناة السنوية مع الكتب المدرسية البالية تسجل فقط في المدارس الحكومية، بينما لا توجد مثل هذه المعاناة في المدارس الخاصة، التي تتوفر لديها الكتب الجديدة وبنسخ كاملة ولجميع طلابها، ولا عذر بذلك بأن هذه المدارس تتقاضى ضعف أثمانها من الطلاب، فالقضية هنا هي مدى توفر هذه الكتب من عدمها قبل أي شيء!
والجدير بالذكر بهذا الصدد أنه وفي نهاية كل عام دراسي تقوم الإدارات المسؤولة في المدارس باستلام الكتب من الطلاب، والتالف غير الصالح لإعادة الاستخدام منها يتم التغريم بثمنها غالباً، ليصار إلى تسليم هذا المهترئ إلى مستودعات الكتب وفق آلية محاسبية مضبوطة افتراضاً، ثم ترمم المدرسة نواقصها من الكتب بحسب تعداد الطلاب لديها، وبالتالي فمن واجب الإدارات المدرسية أن تسلم الطالب في العام الذي يليه كتباً سليمة وصالحة للاستخدام، وليس كما هو قائم!
مع العلم أن طباعة الكتب المدرسية عملية مركزية وتخصص لها الاعتمادات السنوية الكافية افتراضاً بغاية وصول الكتاب المدرسي إلى الطالب مع بداية العام الدراسي!
فما هي أسباب استمرار أزمة الكتاب المدرسي كل عام؟
هل هي بسبب ضعف التنسيق المسبق بين الإدارات المدرسية ومديريات التربية ومستودعاتها، أم بسبب غياب الرقابة وضعفها، وتغلغل أوجه الفساد في بعض مفاصلها؟!

مشكلات مدورة من عام إلى آخر!

المشكلات والصعوبات أعلاه هي ما تم تسجيله حتى الآن، وبعد مضي أسبوعين فقط على بدء العملية التعليمية للعام الدراسي الحالي، والتي ستتزايد مع بث الحياة في المشكلات والمعيقات الأخرى غير المحلولة والمدورة من عام إلى أخر، وخاصة ما يتعلق باستمرار نقص الكادر التدريسي، وبالتالي فقدان بعض التخصصات في بعض المدارس، تضاف إليها المشكلات المرتبطة بالبرد خلال فصل الشتاء ارتباطاً بنقص مازوت التدفئة، ومشكلات ضعف الإضاءة ارتباطاً بتردي الواقع الكهربائي، وصولاً إلى تكريس النزف الطلابي!
فمما لا شك فيه أن جملة المشكلات المدورة وغير المحلولة من عام إلى آخر ستنعكس سلباً على العملية التعليمية وعلى مستقبل الطلاب!

المشكلة بالسياسات!

ونختصر القول بأن جملة المشكلات والصعوبات والمعيقات غير المحلولة والمستمرة من عام إلى آخر، مع تفاقمها وتعمقها، ليست بسبب الضعف الإداري أو سوء التنظيم والتنسيق فقط، بل هي انعكاس ونتيجة لجملة السياسات الظالمة المطبقة، ولسياسات التعليم ضمناً!
فالسياسات الأجرية نابذة للكادر التعليمي والإداري، وسياسات ضغط الإنفاق كارثية على حساب المدرسين والطلاب، وعلى حساب تسجيل المزيد من التردي في مستلزمات العملية التعليمية وفي البنية التحتية في المدارس، وآليات وأنماط الخصخصة المباشرة وغير المباشرة تكرس التمييز والطبقية، وسياسات الإفقار المعممة تزيد معدلات النزف الطلابي، يضاف إلى كل ما سبق تغوّل الفساد وأوجه المحسوبية والوساطة والولاء على حساب الكفاءات!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140