رسالة مباشرة للمعلمين.. أنتم مكرهون على العمل رغماً عنكم!
آخر ما حرر من ظلم بحق المعلمين، وقطاع التعليم الحكومي، هو تعميم صادر عن وزارة التربية «بناء على مقتضيات المصلحة العامة»، وموجه إلى مديري التربية في المحافظات بتوقيع مدير التنمية الإدارية في الوزارة، يقضي بعدم قبول طلبات الاستقالة لكافة الفئات، وعدم رفع طلبات الاستقالة للفئة الأولى إلى الإدارة المركزية عدا بعض الحالات، وتحت طائلة المساءلة!
اما الحالات المستثناة فهي التالية: من لديه خدمة 30 سنة وما فوق- العامل الممنوح إجازة خاصة بلا أجر لمدة سنتين متتاليتين- العامل الذي لديه وضع صحي معين- لمّ الشمل والالتحاق بالزوج.
التعميم فيه الكثير من المخالفات القانونية شكلاً ومضموناً، بالإضافة إلى تكريس وزيادة الظلم والإجحاف بحق المعلمين، مع سحق مسبق لحرية قرارهم واختيارهم!
أما عن نتائجه المتوقعة فهي لن تكون إلا مزيداً من الترهل والتراجع في قطاع التعليم الحكومي من كل بد!
تعميم مخالف للقانون!
التعميم استند في حيثياته إلى بلاغ لرئاسة مجلس الوزراء، وإلى بلاغ وزاري سابق، وبغض النظر عن هذه الحيثيات وقانونيتها، فإنه يتضمن مخالفة لقانون العاملين الأساسي الذي يضمن حق التقدم بطلب الاستقالة للعاملين في الدولة، مع منح صلاحية القبول أو الرفض للجهة المخولة إدارياً بذلك، مع وضع سقف زمني للبت بهذا الطلب قبولاً أو رفضاً!
والمخالفة القانونية أن مضمون التعميم تجاوز حقاً من الحقوق المصونة للعاملين في الدولة بموجب قانون العاملين الأساسي، وقطع الطريق أمام الراغبين بتقديم استقالتهم، تعسفاً وبشكل مسبق ودون وجه حق!
أما المخالفة الثانية فهي في الشكل، فقد صدر التعميم بتوقيع مدير التنمية الإدارية في الوزارة استناداً لتوجيه الوزير، ولم يذيّل التوقيع أنه بالتفويض عن الوزير في بعض صلاحياته!
والأكثر من ذلك ورود عبارة «تحت طائلة المسائلة» الموجهة لمديري التربية بتوقيع مدير التنمية الإدارية، وهي تتضمن مخالفتين!
الأولى هي صلاحية مدير التنمية الإدارية في هذا النوع من المساءلة، التي يفترض أنها محصورة بالوزير وبالجهات الرقابية المخولة بذلك، والمقيدة افتراضاً بنصوص قانونية وضوابط ونواظم إدارية!
والثانية، وهي الأهم، هي إجبار مديري التربية في المحافظات على مخالفة القانون الأساسي للعاملين في الدولة بعدم قبول طلبات الاستقالة (تهديداً) وفق عبارة «تحت طائلة المساءلة»، علماً أن هذه المخالفة القانونية تستدعي المساءلة، ولا تغطيها لا قرارات ولا بلاغات ولا تعاميم!
الأسباب المغيبة!
مضمون التعميم أعلاه بمنع الاستقالات يعني فيما يعنيه أن هناك نقصاً كبيراً في الكادر التعليمي، وزيادة في أعداد المتقدمين بطلبات الاستقالة، مع العجز في سد الشواغر المتزايدة فيه، وهو أمر واقع وملموس!
والسبب الرئيسي والمباشر لقلة الكوادر وتزايد طلبات الاستقالة يتمثل بالأجور المجحفة والظالمة، التي لم تعد تغطي تكاليف المواصلات الشهرية عملياً، والتي يضاف إليها الكثير من الأسباب الأخرى التي لا تقل أهمية عنها، بما في ذلك هذا الشكل الإداري الفج بالإكراه على الاستمرار بالعمل!
فالكثير من المدارس ليس لديها كفايتها من الكوادر التدريسية، وخاصة في بعض الاختصاصات، وهو ما ينعكس سلباً على العملية التعليمية وعلى مصلحة المتعلمين، وعلى المستقبل عموماً!
على ذلك فإن الشكل التنفيذي لمضمونه بإجبار المعلم بالاستمرار بعمله رغماً عنه، بغض النظر عن مبرراته ومسوغاته، الخاصة العامة، برغبته بالاستقالة، مع غض النظر عن كل ما سيترتب على ذلك من سلبيات كثيرة، لن يتم حصادها إلا بالمزيد من التردي والتراجع في العملية التعليمية، وفي قطاع التعليم الحكومي عموماً!
فالتعميم عملياً لم ولن يحل المشكلة، بل سيزيد من مفاقمتها وتعميقها عبر هذا الشكل من الإكراه، فهذا النمط من الهروب للأمام، والتهرب من استحقاق حل المشكلات المتراكبة لن يزيدها إلا تأزماً بالنتيجة!
مزيد من الظلم والتراجع والترهل!
على ذلك يمكن القول إن مضمون التعميم لا يكرس الظلم بحق المعلمين فقط، بل يدفع من الناحية العملية إلى مزيد من تراجع العملية التعليمية في قطاع التعليم الحكومي!
فمن سيتخذ قراره بالتقدم بطلب الاستقالة من المعلمين، وفي ظل إغلاق البوابات القانونية والإدارية بوجهه استناداً للتعميم أعلاه، قد يضطر للانقطاع عن العمل، وبالتالي اعتباره بحكم المستقيل بعد مضي 16 يوماً بحسب القانون، وهذا يعني اعتباره بحكم المستقيل وإحالته للقضاء، مع احتمال فقدان كافة حقوقه، بما في ذلك حقوقه التأمينية!
فأي تعسف في استخدام سلطة القرار في غير مكانها، وأي إجحاف وظلم أكثر من ذلك!
شجون عبارة «مقتضيات المصلحة العامة»!
أما عبارة «بناء على مقتضيات المصلحة العامة» التي وردت بداية التعميم فهي ذات شجون وفنون!
فمقتضيات المصلحة العامة، بما يخص المعلمين والقطاع التعليمي، يندرج تحتها الكثير من العناوين والضرورات المغيبة، وبما يضر بهذه المصلحة بالنتيجة!
فمن ضرورات المصلحة العامة بداية إعلاء شأن القانون وعدم تجاوزه، على العكس من مضمون التعميم أعلاه!
ومن ضروراتها الكثيرة يمكن إدراج التالي اختصاراً:
أن يكون أجر المعلم منصفاً ومجزياً ويحفظ كرامته، وبحيث لا يضطر إلى اللجوء إلى أعمال إضافية على حساب وقته وجهده!
تأمين مستلزمات وأدوات العملية التعليمية، وبما يضمن تحقيق الغاية منها على مستوى المدخلات والمخرجات وبكافة مراحل التعليم!
توفير بيئة تعليمية مناسبة وملائمة في الشُّعب الصفية للمتعلمين، وبالحد الأدنى تخفيف الازدحام والاكتظاظ بهذه الشعب!
زيادة الإنفاق على القطاع التعليمي، وإعادة الاعتبار لحق التعليم المجاني المصان دستوراً وقانوناً ولكافة مراحل التعليم، وبما يحد من التمايز والتمييز الطبقي، ويحد من تغوّل الخصخصة المباشرة وغير المباشرة بهذا القطاع الهام!
بالإضافة إلى الكثير مما يمكن إدراجه تحت عنوان ضرورات المصلحة العامة، التي أصبحت شماعة تعلق عليها المخالفات والموبقات في بعض الأحيان، وفرصة للتندر والتهكم غالباً!
أحاديث يعلمها الرسميون مع «الطناش»!
التعميم ناله الكثير من التفنيد والاعتراض على مضمونه، مع الكثير من عبارات التهكم، وفيما يلي ما تناقله بعض المعلمين حوله:
اعملوا رواتب تليق بالأساتذة والموظفين.. اهتموا أكتر.. مشان ما حدا يفكر يستقيل.. لانو مو منطقي اللي عم يصير!
لك لابيرحموا.. ولابدن رحمة الله تنزل!
والله العبودية أرحم من هالتعسف!
عندما يحصل المدرس على ما يستحقه فلا يفكر بالاستقالة!
لك عطونا بس أجرة المواصلات.. وأجرنا على الله!
وخود ع وسايط ومحسوبيات وفساد مشان الاستقالات من اليوم ورايح!
سياسة حكيمه لرفع سوية التعليم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1127