دور الحكومة في تدمير الفلاحين وتلبية مصالح أصحاب الأرباح
وافق رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 18 – 5 – 2023 على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة فتح باب التصدير لمادة الثوم الأخضر للكميات الفائضة عن حاجة السوق المحلية والمقدرة بكمية 5 آلاف كحد طن كحد أقصى لمدة شهرين.
وبحسب صفحة الحكومة الرسمية تأتي الموافقة على تصدير هذه الكميات من مادة الثوم الأخضر الفائضة عن حاجة السوق المحلية بهدف دعم الفلاحين وضمان عدم تعرضهم للخسارة.
ولكن هل الغاية فعلاً ضمان عدم خسارة الفلاحين أم الغاية هي مضاعفة أرباح التجار وأصحاب المال حتى لو كان ذلك على حساب الأمن الغذائي؟
الاستهتار بتعب الفلاح وإنتاجه!
يقترب موسم الثوم من نهايته، خصوصاً وأن هذه المادة دورة إنتاجها تعتبر طويلة جداً بالمقارنة مع غيرها من المحاصيل الزراعية، فالمدة بين توقيت زراعة الثوم في الشهر التاسع من العام وبين توقيت نهاية الحصاد التي تأتي في الشهر الخامس أو السادس من العام التالي، لتطول هذه المدة حتى تسعة أشهر، أي تسعة أشهر من التعب والعناية والسقاية، وتكبد التكاليف التي ترتفع بشكل يومي!
ولعله من الواضح أن هناك كميات فائضة ووفرة في السوق بما يخص المادة، وبالتالي انخفاض في سعرها بنسبة 75% لـ 80% في فترات الحصاد.
فسعر الكيلو من المادة في بداية الحصاد لم يتجاوز 1000 ليرة ليصل إلى 2000 ليرة مع اقتراب الموسم من انتهائه، مع العلم أن تكلفة الكيلو تقدر بين 2000 ل 2500 ليرة بحسب بعض الفلاحين، وبالتالي فإن الخسارة في الكيلو الواحد تصل إلى نسبة 50% من تكلفة الإنتاج!
فالدونم الواحد، بحسب بعض الفلاحين، تتراوح إنتاجيته بين 6 أطنان إلى 7 أطنان، وتكلفة الدونم تقدر بحوالي 14,625,000 ليرة، وعليه فإن الخسارة في الدونم الواحد بحسب الأسعار أعلاه تقدر بـ 7,312,500 ليرة، وعليه يتم قياس الخسائر لهذا الفلاح أو ذاك بناء على مساحة الأرض المزروعة!
هاجس ارتفاع التكاليف المستدام!
تتكون التكاليف من عدة بنود (البذار، الفلاحة، الزراعة، السقاية، التسميد، التعشيب، والمبيدات الحشرية، الحصاد والتعبئة ونقل المحصول) وما يتبع معظم هذه العمليات من تكاليف إضافية مثل (الوقود، والسماد، والمياه، إلخ) وما يميز هذه التكاليف أنها في ارتفاع مستمر، خاصة وأن مدة الموسم طويلة إلى حد ما، وبالتالي فإن مجمل هذه التكاليف في ارتفاع مستدام طوال فترة الزراعة وخاصة في ظل تخبط وارتفاع سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم، وهذا ما يزيد من الأعباء على الفلاح وما يجعله متوجساً من ارتفاع التكاليف أكثر وأكثر، وبالتالي يندفع إلى بيع محصوله حتى لو بخسارة ولكن تجنباً لتضاعف هذه الخسارة، خاصة وأن تجربة الفلاحين في الموسم السابق مع زراعة المادة كانت كارثية إلى حد لا يوصف!
العلاقة بين الفلاح والمستهلك وأصحاب الأرباح!
الوقائع تقول إن أي انخفاض بسعر هذه المادة أو تلك من المحاصيل الزراعية يعني تدميراً للفلاح، لكنه لا يعني بالضرورة دعماً للمستهلك، وكذلك فإن أي ارتفاع في سعر هذه المادة أو تلك من المحاصيل لا يعني تعويضاً للفلاح، لكنه يعني بالضرورة حرماناً للمستهلك، ففي كلتا الحالتين، سواء في ارتفاع السعر أو انخفاضه، فإن المستفيد الوحيد هم كبار التجار من أصحاب المال والأرباح، الذين يسحبون المحاصيل أثناء انخفاض سعرها ويبيعونها أثناء ارتفاعها، فهم المتحكمون في السوق وشروط العرض والطلب فيه، التي تبدو للوهلة الأولى أنها طبيعية، إلا أن ما يحدث فعلياً هو من تخطيط وإرادة وتحكم أصحاب الأرباح والنفوذ!
السوق «الحر» وآليات تدخل الدولة!
تمارس الحكومة دوراً سلبياً بالمطلق فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين مصالح الفلاحين واحتياجات المستهلكين، وتتعاطى مع بعض نتائجها على أنها أموراً طارئة تحتاج لحلول إسعافية، وغالباً ما يتم ذلك على حساب الفلاح تارةً وعلى حساب المستهلك تارةً أخرى!
فعند انخفاض السعر بما يسبب خسائر للفلاح كذريعة تقوم بفتح بوابات التصدير ما يؤدي إلى رفع السعر إلى حدود غير معقولة في الأسواق بالضد من مصالح المستهلك، وعند ارتفاع سعر المادة تقوم بإغلاق باب التصدير والسعي إلى تخفيض السعر بالشكل الذي يكبد الفلاح خسائر إضافية فادحة، وعند اشتداد حالة الاحتياج الاستهلاكي المحلي تفتح بوابات الاستيراد لسد هذه الاحتياجات، وكل ذلك بما يؤمن فقط مصلحة أصحاب الأرباح، بشكل مدروس ومخطط، بغض النظر طبعاً عن مصالح الفلاح والمستهلك!
أرقام وبيانات توضيحية!
الجدول التالي يتضمن بعض بيانات المكتب المركزي للإحصاء بما يخص محصول الثوم خلال عدة سنوات:
يتضح من بيانات الجدول أعلاه أن حجم التباين يكاد يكون معدوماً، ولكن من ناحية الاقتصادية يتبين أن حجم الإنتاج يتجه نحو الانخفاض!
ويتوضح ذلك من خلال الشكل التالي للسلسلة الزمنية فيما يخص الكمية المنتجة من مادة الثوم:
فالاتجاه العام للسلسلة الزمنية آخذ بالانخفاض النسبي كما هو واضح، وهو معلوم ومدرك من قبل الحكومة، ومن قبل القائمين على الاقتصاد والمهيمنين عليه من كبار أصحاب الأرباح!
كذلك تبين لنا أرقام المكتب المركزي للإحصاء حول صادرات العام السابق من مادة الثوم أن حجم الصادرات قد بلغ حوالي 4261 طناً، مع العلم أن كمية الإنتاج كانت حوالي 29,400 طن، أي إن نسبة الصادرات من إجمالي الإنتاج بلغت حوالي 14.5%، وعليه فإن الموافقة على تصدير 5000 طن حالياً تعني أن كم الإنتاج الحالي قدر بشكل رسمي بحوالي 34,482 طناً، وهو تقدير مبالغ به وغير موضوعي بالنظر إلى بيانات السنوات السابقة بحسب السلسلة الزمنية أعلاه!
نتائج نمط العمل الحكومي!
الواقع الحالي يقول، وبغض النظر عما إذا تمت عمليات التصدير أم لم تتم، إن سعر الثوم تجاوز 8000 ليرة، ووصل إلى عتبة 10000 ليرة، ليتضح من خلال كل ما سبق العمق الاقتصادي والتحليلي الذي تتعاطى به الحكومة واللجان الاقتصادية ولمصلحة من بالنتيجة!
فمع استمرار ضعف وتراجع القدرة الشرائية، فإن غالبية السوريين لم يعودوا يستطيعون شراء المادة، لا من أجل الاستهلاك الحالي ولا من أجل المونة، فغالبية الإنتاج تمت السيطرة عليه من قبل حيتان السوق على حساب الفلاح بالسعر المنخفض، وعلى حساب المستهلكين بالسعر المرتفع الذي وصل إليه!
والنتيجة ضرب مصلحة الفلاح، والإنتاج الزراعي، والإضرار بمصلحة المستهلكين واحتياجاتهم (كماً وسعراً)، ولمصلحة حيتان أصحاب الأرباح وعلى حساب الاقتصاد الوطني!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1124