شرعنة الأمبيرات مزيد من الاستغلال وزيادة في غزو المدن والبلدات!
بعد أن غزت حلب واستوطنت فيها، وبعد أن تغولت وانتشرت في الكثير من المدن والبلدات، ها هي مولدات الأمبير بدأت تحجز مكاناً رسمياً لها في دمشق، على أمل التوسع والانتشار لاحقاً، وكل ذلك على حساب احتياجات السوريين للطاقة الكهربائية واستغلالاً لهم، وبعلم ودراية وشرعنة رسمية!
فبعد الحديث عن مولدات الأمبير التي وضعت في حديقة السبكي في دمشق من أجل تغذية الأسواق المحيطة بالمنطقة، فقد نقل عن مدير الأملاك في محافظة دمشق- حسام سفور- حديثه عبر شام اف ام، الذي كشف خلاله عن «تقدم مستثمر آخر لوضع أمبيرات في مناطق التضامن والزاهرة ومخيم اليرموك وهي في المراحل الأخيرة من التفعيل، باعتبار هذه المناطق تفتقر للمحولات الكهربائية، وبشكل استثنائي ستستخدم لتغذية المنازل بالكهرباء، موضحاً العمل بالأمبيرات في عددٍ من الأسواق في دمشق، أنه إجراء موقت لحين تحسن واقع الكهرباء في البلاد».
مبررات وذرائع!
كذلك ذكر مدير الأملاك في محافظة دمشق ما يلي: «إنها المرة الأولى التي يرد فيها طلب لاستثمار أمبيرات في الأسواق التجارية في العاصمة دمشق، وبعد الدراسة جرت الموافقة عليه لعدة أسباب أبرزها: كثرة المولدات في الأسواق، والتي أصبحت تشكل عائقاً في حركة المارة، والتكاليف المرتفعة لها، والأصوات المزعجة التي تصدر منها. ومن الأفضل وضع مولدة واحدة ذات استطاعة كبيرة في الأسواق، عوضاً عن انتشار مولدات المحال التجارية، والتي عددها 1500 مولدة مرخصة، خاصةً أن المحال تدفع ما يقارب 100 ألف ليرة تكلفة محروقات في اليوم الواحد، ومع وضع مولدة واحدة للسوق ستعم الفائدة على الجميع».
الذريعة أعلاه تبدو مناسبة على مستوى المحافظة، ومناسبة أكثر بالنسبة لمستثمر مولدات الأمبير المحظي، الذي سيجني من خلالها الأرباح الكبيرة طبعاً!
لكنها لا تبدو مناسبة على مستوى كم المحرقات اللازمة لتشغيل مولدات الأمبير، والتكاليف التي سيتكبدها من يضطر للجوء إليها، سواء كان صاحب محل في أحد الأسواق في العاصمة، أو مقيماً في منطقة سكنية ما منها!
أول الغيث.. ومزيد من ضمان مصالح أصحاب الأرباح!
بمطلق الأحوال، إن موافقة المحافظة الحالية تعتبر مقدمة لموافقات قادمة ولمستثمرين محظيين آخرين، كي تغزو مولدات الأمبير تباعاً بقية الأسواق والأحياء، وهو ما أكده مسؤول الأملاك في المحافظة بحسب حديثه أعلاه حول مناطق التضامن والزاهرة ومخيم اليرموك، التي ستدخل إليها مولدات الأمبير بتغطية رسمية من المحافظة!
بل ومزيداً من التوضيح في ذلك، أضاف المسؤول: إنه «بحال تقدم مستثمرون آخرون للحصول على رخصة للأمبيرات يمكن الموافقة عليها بعد دراسة الطلب، علماً أنه لن يلزم حالياً أصحاب المحال بإزالة المولدات، وسيتاح الخيار أمامهم لاستخدام الأمبيرات».
الحديث الرسمي أعلاه، مع آلياته التنفيذية، يبدو متكاملاً من حيث الدراسة الأولية، فالاستثمار بمولدات الأمبير في دمشق أصبحت بوابته مشرعة أمام المحظيين حالياً، وبانتظار تحديد هؤلاء ليس إلا، مع ما سيتم اقتطاعه من مناطق لحساب كل منهم!
أما الكارثة في الحديث أعلاه، فهي التمهيد لمنع عمل المولدات الخاصة لاحقاً، والحديث حالياً عن المحال في الأسواق، وبالتالي فمن المتوقع مع زيادة أعداد مولدات الأمبير أن يتم اللجوء لمزيد من الحماية لمصالح مستثمريها من خلال منع المولدات الخاصة، سواء للمحال التجارية، وربما للمنازل أيضاً!
تكريس اليأس!
غزو مولدات الأمبير، وبغض النظر عن مبرراتها ومسوغاتها، وبغض النظر عن شرعنتها وترخيصها رسمياً من عدمه، ما هي بالنتيجة إلا تكريساً لواقع تراجع التزود بالطاقة الكهربائية الرسمية، مع جرعات تيئيسٍ من إمكانية أي تحسن فيها!
ولعل مدينة حلب، وهي الأقدم على مستوى تغول وانتشار مولدات الأمبير فيها، تعتبر نموذجاً حياً ومباشراً عن حال ومآل واقع التزود بالطاقة الكهربائية الرسمية، مقابل المزيد من انتشار الأمبيرات فيها!
فعلى الرغم من تكرار الحديث الرسمي حول وعود تحسين ساعات الوصل الكهربائي في المدينة، على ضوء عمليات إعادة تأهيل محطة التوليد الكهربائي هناك، إلا أن الواقع يقول: إن الحديث الرسمي كان خلبياً، والوعود أكل عليها الدهر وشرب!
فواقع الاضطرار للجوء إلى الأمبيرات مستمر، مع استمرار كل عوامل الاستغلال فيها، والتي لا تقف عند حدود الارتفاعات السعرية المستمرة فقط، بل وعلى مستوى ساعات الوصل المتقلصة أيضاً!
مزيد من الفجور والاستغلال!
الحديث الرسمي لوزارة الكهرباء يقول: إنها لم توافق ولن تشرعن الأمبيرات، فعملها مقونن على مستوى إنتاج وتوزيع وبيع الطاقة الكهربائية، مع العلم أن فيه خصخصة كبيرة، لكن بشكل آخر!
فبحسب مدير دعم الصندوق الوطني للطاقات المتجددة في وزارة الكهرباء زهير مخلوف، في حديثه عبر شام اف ام بتاريخ 27/5/2023: «يجب دراسة التناقض بين الأمبيرات والطاقات المتجددة، والوزارة لم توافق على الأمبيرات لأنها ترغب بحلول طويلة الأمد للكهرباء».
فالحلول طويلة الأمد بالنسبة للوزارة تتمثل بمزيد من الاعتماد على الطاقات المتجددة، وهي عبارة عن خصخصة مباشرة وغير مباشرة لقطاع الطاقة الكهربائية، وليس من خلال زيادة إنتاج محطات التوليد الكهربائية العاملة، واستكمال تأهيل بعضها!
فالذرائع المساقة حول عدم إمكانية استثمار الطاقات التشغيلية لمحطات التوليد العاملة، والمتمثلة بنقص المشتقات النفطية اللازمة لتشغيلها (فيول- غاز)، أصبحت ممجوجة ومستهلكة جداً، بحيث تبدو الغاية منها واضحة بشقين:
الشق الأول: هو مزيد من شرعنة خصخصة القطاع، سواء عبر عناوين الاستثمار في الطاقات المتجددة، أو من خلال عناوين إعادة تأهيل بعض المحطات العاملة، مثل: محطة دير علي التي دخل عليها الاستثمار الخاص رسمياً!
والشق الآخر: هو استمرار تخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية، سعراً وكماً، وبحيث يصبح اللجوء إلى البدائل أمراً لا بد منه، بما في ذلك الأمبيرات طبعاً!
سؤال بسيط بلا جواب رسمي!
زيادة انتشار وغزو مولدات الأمبير في المدن والبلدات يطرح سؤالاً هاماً بما يتعلق بالمشتقات النفطية اللازمة لتشغيل هذه المولدات، والحديث هنا عن مادة المازوت، والكميات الكبيرة اللازمة منها لتشغيل مولدات الأمبير المتزايدة!
فالمعاناة مستمرة على مستوى تأمين كافة المشتقات النفطية، مع الكثير من الذرائع والمبررات حول معيقات تأمين الكميات الكافية منها لكافة الأنشطة الاقتصادية في البلاد، اعتباراً من محطات توليد الكهرباء، وليس انتهاءً بمازوت التدفئة المخصص للمواطنين!
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن المشتقات النفطية بعهدة وزارة النفط والثروة المعدنية، وعلى مستوى التوزيع والبيع، فهي بعهدة شركة محروقات التابعة لنفس الوزارة!
فمن أين تحصل هذه المولدات على الكميات اللازمة من المازوت للتشغيل والاستثمار، مع العلم أنها غير مرخصة رسمياً، وبالتالي لا مخصصات رسمية من مادة المازوت لها؟!
ولعل هذا السؤال بسيط لا يصب إلا في خانة الفساد الكبير، الذي يقف خلف كل الكوارث المعممة في البلاد وعلى حساب العباد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1124