بات التوجه للقضاء للمقتدرين ولمن استطاع إليه سبيلاً فقط!

بات التوجه للقضاء للمقتدرين ولمن استطاع إليه سبيلاً فقط!

مرفق العدالة (القضاء)، وهو من أهم وظائف الدول في العالم والداعم لسلطة القانون والحامي للمجتمع من الاعتداء عليه، والمحافظ على حقوق المواطنين، وهو مؤسسة العدل والانصاف، للأسف بات من وجهة نظر سياسات الحكومة الليبرالية باب جباية وتربح أكثر منه مرفق عدالة!

هذا المرفق أصبح يتم من خلاله فرض الرسوم بمختلف أنواعها على المتقاضين، بشكل جزافي وباختلاق مختلف أنواع الحجج، حيث يتحمل المواطن من جيبه عبء رواتب العاملين فيه من موظفين وقضاة، وعبء إنشاء وإصلاح المحاكم!

الإلزام بمطبوعات صندوق التعاون

أنشئ صندوق التعاون للعاملين في وزارة العدل وإدارة قضايا الدولة عام 1975 حيث يعتمد نماذج محددة للوائح الطعون من قبيل الاعتراضات والاستئنافات والنقض وإخلاء السبيل وفك الاحتباس وفض الأختام ومعاملات الزواج وإسقاط الحق الشخصي والوكالات العدلية وطلبات إخلاء السبيل ويعود ريعها لموظفي وزارة العدل والقضاة.
ودرج على المساعدين العدليين إلزام المحامين باعتماد مطبوعات صندوق التعاون، وعدم قبول قيد الدعاوى أو الطلبات مالم تكن مرفقة بإحدى أوراق المطبوعات المذكورة وذلك بتوجيهات من بعض القضاة كما يتذرّعون.
قانون صندوق التعاون تم إقراره برقم 1618 تاريخ 23/12/1975 كما ذكرنا، وقد وردت العديد من التعاميم والبلاغات بخصوصه، منها ما يتضمن إيحاء بإلزام جميع المتقاضين باستخدام مطبوعات صندوق التعاون، ومنها تعميم وزارة العدل رقم 11766 لعام 2009 و15143 تاريخ 2017 والبلاغ رقم (2) تاريخ 2005.
إن فرض مطبوعات صندوق التعاون على المتقاضين هو أقرب ما يكون لفرض رسم عليهم، علماً أن تعريف الرسم (هو عبارة عن مقابل مالي ومدفوع من خلال الأفراد لمؤسسة عامة لقاء الحصول على خدمة محددة تنفذ للفرد الذي يطلبها) وهو ما لا يمكن فرضه إلا بموجب قانون كما هو النص عليه في الدستور (لا تفرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بمرسوم).
واستنادا لمبدأ المشروعية فإنه وببساطة يتبين أن تطبيق تعاميم وزارة العدل غير دستوري وغير قانوني، بالإضافة إلى أن قانون صندوق التعاون لم ينص على الإلزام بمطبوعات صندوق التعاون!
إضافة إلى أن تدقيق نصوص التعاميم المذكورة وخاصة (11766) لعام 2009 قد بينت أن مناط الحديث هو تشجيع وحث على استخدامها لحسن صياغتها ورخص أثمانها، كما ورد في التعميم نصاً وحرفاً.
ومع تقديرنا لجميع الاعتبارات ولكن نرد على ذلك أن المحامين يفترض بهم حسن الصياغة لأي موضوع، أما لناحية رخص الأثمان فقد ارتفعت أسعار مطبوعات صندوق التعاون بشكل كبير (حيث تكلف ورقة استدعاء بيضاء مع طوابع 3000 ليرة سورية) ومع إضبارة تصل إلى 6500 ليرة، هذا عدا عن رفع أسعار الطوابع العام الماضي، حيث ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق من 25 ليرة إلى 200 ليرة، ويجب إعادة النظر بأسعارها، خاصة مع التشدد الحاصل في بعض المحاكم أنها تشترط أن يتم تقديم أي طلب أو مذكرة بشكل كتابي، وأحيانا بشكل مبالغ فيه، حيث يتم إرفاق مطبوعات صندوق التعاون على مذكرة المحامي ليتم قبولها لدى القاضي.
فالتفعيل المطلوب لصناديق التعاون لا يتم بفرض رسوم جديدة ومرتفعة، ولا من خلال إيجاد مطارح جديدة لرسوم غير قانونية.
فمنذ عامين هناك محاولات لرفع طابع اللصيقة القضائية من 200 ليرة إلى 2000 ليرة، وحسب زعم وزارة العدل أن هذا سيؤدي إلى تحسين الواقع المعيشي للقاضي، ولكن للأسف من جيب المواطن كما جرت العادة!
فطابع اللصيقة القضائية هو طابع إلزامي في المحاكم، يوضع على كل ورقة تقدم للمحكمة، بدءاً من تسجيل الدعوى أو الطلب، وانتهاءً بتنفيذها.
ناهيك عن ارتفاع تكاليف الطباعة والتصوير، عدا عن الإكراميات التي تدفع للمستخدمين والموظفين والمساعدين العدليين وعناصر الشرطة.

مجانية التقاضي وإصلاح المحاكم على حساب المواطن!

صدر القانون رقم 36 لعام 2022 الذي نص على استيفاء رسم إضافي لدى القضاء يخصص لإنشاء دور المحاكم وإصلاحها، حيث أصبحت محاضر المحاكم مسعرة ب2000 ليرة سورية في الأمور الجزائية والمدنية والأوراق التي ينظمها كتاب العدل.
كما صدر في 27/4/2023 قانون الرسوم القضائية الجديد رقم (6) والنافذ اعتباراً من 1 أيار، والذي رفع مبلغ التأمينات القضائية، وفرض دفع نصف قيمة الرسم عند قيد وتسجيل الدعوى، إضافة إلى رفع سلفة الادعاء الشخصي في القضايا الجزائية إلى 5000 ليرة سورية، وتقاضي مبلغ 500 ليرة سورية عن كل طلب أو تبليغ أو تقرير، أو لأي كتاب موجه من المحكمة إلى إحدى الدوائر الرسمية.
كما نص على استيفاء رسم مقداره 1% من كامل المبلغ المصالح عليه عن القرارات المتضمنة تصديق المصالحة ودعاوى حل وتصفية الشركات وعقود الاستثمار والتحاصص، ودعوى صحة البصمة والتوقيع ودعوى تثبيت العلاقة الإيجارية والتخمين، ويستوفى رسم 0.01% واحد بالعشرة آلاف لحساب الرسم في دعاوى ملكية العقارية على أساس القيمة الرائجة للعقار لدى الدوائر المالية، بالإضافة إلى الكثير من المواد التي رفعت الرسوم على المتقاضين!
وقد تم تمرير هذا القانون ونشره بشكل شبه سري، دون نشره أو الإعلان عنه في وسائل الإعلام، ولا حتى على المواقع الحكومية الرسمية!
وقد تهكم بعض المحامين على مضمون قانون الرسوم القضائية الجديد رقم (6) بأن الدولة أصبحت شريكة في المال المتنازع عليه في القضاء، وأن مبدأ مجانية التقاضي ذهب أدراج الرياح!

تعدٍّ على الاختصاصات!

مؤخراً بعثت وزارة المالية كتاباً إلى وزارة العدل تطلب فيه من نقابة المحامين رفع أسعار الوكالات، في حين رد نقيب المحامين فراس الفارس بأن هذا الأمر يعود إلى مؤتمر النقابة ولا علاقة لأي وزارة به!
والجدير بالذكر أن وزارة المالية لا تستفيد نهائياً من واردات الوكالات القضائية، وإنما يعود ريعها إلى صناديق النقابة، مثل صندوق التعاون والإسعاف وخزانة تقاعد المحامين.
مع العلم أن تكلفة الوكالات ارتفعت على مدار سنوات الأزمة، حيث وصلت تكلفتها اليوم لـ40 ألف ليرة سورية في حدها الأدنى.
تكاليف مرهقة تكرس الفرز الطبقي الجائر!
مع كل هذه الارتفاعات في الرسوم والنفقات القضائية والوكالات، هناك أتعاب المحامين التي لا يوجد معيار لتقديرها، بل تترك لكل محامي حسب خبرته وعلمه ومصاريف تنقله ومكتبه، ناهيك عن فرض ضرائب مرتفعة على المحاميين وبشكل جزافي ومجحف، خاصة في وقت بات أغلبهم بلا عمل، إضافة إلى استبعادهم من الدعم الحكومي!
كل هذا رفع تكلفة التقاضي على المواطنين وأسقط مقولة مجانية التقاضي، وجعل اللجوء إلى القضاء للقادرين على تحمل النفقات والتكاليف المرتفعة، ولمن استطاع إليه سبيلاً فقط، تكريساً للفرز الطبقي الجائر والمجحف بنتيجة تطبيق السياسات الليبرالية الظالمة بنموذجها الأكثر تشوهاً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1123