الحكومة تعمل بالضد من المزارع والإنتاج.. والأمن الغذائي رهن الجشع!
حدد مجلس الوزراء سعر شراء محصول القمح للموسم الزراعي 2023 بواقع 2300 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.
وبحسب الحكومة «جاء تحديد هذا السعر نتيجة حساب دقيق لتكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبما يضمن هامش ربح للفلاح بنسبة 35% لكل كيلو غرام، وذلك بهدف التشجيع على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من الإنتاج».
السعر المحدد حكومياً أعلاه، والحديث عن الحساب الدقيق لتكلفة الإنتاج، وعن الدعم المقدم للقطاع الزراعي، بحسب ادعائها، يمكن تناوله تفنيداً ورداً بكل سهولة!
سعر ظالم ومجحف ينهي الإنتاج!
إن السعر الرسمي أعلاه أقل من التكلفة، وفيه الكثير من الظلم والإجحاف للمزارعين، فالدعم الذي يجري الحديث عنه محدود وضئيل ومتراجع عاماً بعد آخر، وبعض مستلزمات الإنتاج وخاصة السماد والمازوت تم رفع سعرها رسمياً، ولا مجال بعد ذلك للحديث عن أرباح للمزارعين، بل عن خسارات مؤكدة تقضي على الرغبات الحكومية المعلنة للتشجيع على تسليم المحصول!
ففارق السعر لمحصول القمح بين الموسم الماضي والحالي 300 ليرة/كغ، بنسبة زيادة 15%، بينما بالمقابل تجاوزت نسبة الزيادة على تكاليف مستلزمات الإنتاج أكثر من 100%، بما في ذلك الأسعار الرسمية للسماد والمازوت، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل التضخم التي ارتفعت معدلاتها خلال هذه الفترة!
فمن جملة حسابات الدعم الخلبية مثلاً أن مخصصات كل دونم 3 كغ سماد، بينما حاجة الدونم 50 كغ، وقس على ما سبق أعلاه في عبارة الحكومة الجوفاء: «الدعم المقدم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة»!
الجدول التالي فيه مقارنة لبعض مفردات التكلفة بحساباتها التقريبية من قبل بعض المزارعين بين الموسم الماضي والحالي:
أما الأهم فهو أن هذا السعر، ووفقاً للنهج الحكومي المتبع مع محصول القمح وغيره من المحاصيل الهامة الأخرى، يقوض الإنتاج الزراعي ويدفع به للمزيد من التراجع، وصولاً إلى إنهائه والتضحية به!
حسابات وأرقام إضافية للتوضيح
بحسب بعض المزارعين فإن السعر الرسمي أعلاه بالكاد يغطي التكلفة فقط لا غير، ما يعني خسارة حتمية لهم، والأرقام التالية فيها بعض التوضيحات الإضافية:
السعر الرسمي بواقع 2300 ليرة/كغ هو الحد الأعلى، فبعد التخفيض لقاء التجريم والضريبة سيصل الى 2000 ليرة/كغ بأحسن الأحوال.
تكاليف مستلزمات الإنتاج (حراثة- بذار وزراعة - فلاحة بعد الزراعة- ري- سماد- مبيدات وأدوية- حصاد- تجميع ودراسة..) لكل 1 دونم تقدر بحدود مليون ليرة.
كميات إنتاج الدونم تتراوح بين 200-600 كغ قمح بأحسن الأحوال.
كي تتم تغطية تكاليف الإنتاج بواقع 1 مليون ليرة/دونم، وبحسب السعر 2000 ليرة/كغ، يجب ألّا تقل كمية المحصول عن 500 كغ/دونم.
بالمقارنة مع وسطي الإنتاج المقدر بحدود 400 كغ/دونم بقيمة 800 ألف ليرة، فهناك خسارة محققة بواقع 200 ألف ليرة من التكاليف بالحد الأدنى!
الخسارة أعلاه لم تشمل حسابات التعب والعناء واستثمار الأرض، مع بقاء المزارع بلا طعام وشراب وخدمات وسكن ومواصلات و.. طيلة الفترة بين محصولين!
أما المفارقات التي أتت على ألسنة الفلاحين في حسابات تسعير القمح الحكومي أعلاه أن سعر الكرسنة يبلغ 3500 ليرة/كغ، وسعر البرغل يبلغ 6000 ليرة/كغ، وسعر الفريكة يصل إلى 16 ألف ليرة/كغ!
ويتساءل هؤلاء بعد ذلك:
هل تتوقع الحكومة فعلاً أن نسلم محصولنا بالسعر المجحف الذي حددته ونتحمل الخسارة فيه؟!
وهل لديها النية الحقيقية لاستمرار زراعة محصول القمح في المواسم القادمة في ظل استمرارها بهذا النمط من التعامل معنا ومع إنتاجنا؟
وبحسب هؤلاء، إنه حتى لو تم إقرار زيادة في السعر لاحقاً، فإن لم يصل إلى حدود 3500-4000 ليرة/كغ فإن الخسارة ستستمر، وبالتالي ستستمر النتائج المتمثلة بعدم تسليم المحصول، وبعدم المغامرة بزراعته في الموسم القادم، فاستبداله بمحاصيل ذات جدوى اقتصادية بالنسبة إليهم هو ما سوف يكون!
وربما كانت النتيجة أعلاه هي الغاية والهدف من كل العمل الحكومي المستمر تجاه الإنتاج الزراعي!
الحكومة والحسابات السهلة والمصالح المحمية!
من الواضح أن الحكومة لم تقم لا بحسابات تكلفة ولا من يحزنون، بدليل الأرقام والحسابات التقريبية أعلاه، التي تعرفها وتعلمها علم اليقين!
ويبدو أنه كان من الأسهل عليها أن تقوم بسبر سعر القمح عالمياً في بلدان إنتاجه وتصديره، والذي يقارب السعر المحدد من قبلها بعد تحويلة لليرة، وتعتمده لتسعير المحصول محلياً!
لكنها باعتمادها لهذا السعر تعامت بشكل تام على تكاليف نقلة ووصوله، والرسوم والإضافات عليه مع هوامش الأرباح الخاصة بعمليات استيراده، وما أكثرها بسبب كثرة الذرائع والمبررات لها، والتي ترفع من السعر بالمحصلة!
ولم لا؟ فذلك ليس غريباً على الحكومة التي يتضح، وموسماً بعد آخر، أن عينها واهتمامها لا ينصب نحو محصول القمح وزيادة إنتاجه وتسليمه ومصلحة المزارعين كما تدعي، بقدر اهتمامها بمصالح بعض كبار أصحاب الأرباح من المستوردين فقط لا غير، ولو كان ذلك على حساب خسارة المزارعين وتقويض الإنتاج وصولاً إلى إنهائه والقضاء عليه، بل وصولاً إلى رهن الأمن الغذائي بأيدي هؤلاء الجشعين، ومن خلفهم من النافذين والناهبين!
فقد بات من الواضح أن إستراتيجية العمل الحكومي بما يخص محصول القمح وغيره من المحاصيل الهامة الأخرى، هي السعي إلى استبدال إنتاجها عبر عمليات الاستيراد تباعاً وعاماً بعد آخر، والتكتيك المتبع في ذلك يبدأ بسياسات تخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج لإنهائه، ولا تنتهي بسياسات التسعير المجحفة المتبعة، وما بين هذه وتلك من جور وظلم معمم على البلاد والعباد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1119