المعلمون في سورية يعملون بالمجان!
الشعارات الرنانة التي أطلقتها الحكومة ووزارة التربية، بما يخص المعلم وتكريمه والإشادة بتضحياته وببذل عمره، من شأنها أن ترسم على وجهك الابتسامة التي توحي بعبارة «شر البلية ما يضحك» من شدة التناقض والنفاق الذي يكشفه السلوك العملي تجاه المعلمين!
فهي فضلاً عن أنها تساوي بين المعلم، وبين أي صاحب مهنة أخرى، أو وظيفة أخرى، فهي تمارس تجاهه أشد التنكيل المعيشي، إلى درجة الذّل والحرمان!
مجانية التعليم تعني أن المعلمين بلا أجور!
بات من البدهيات أن الحكومة السورية، بسياساتها الليبرالية المجحفة بحق العاملين بأجر، أصبحت توظف العاملين لدى جهاتها العامة، ولكن بدون أجور تذكر، ليس بالمبلغ الرقمي لهذا الأجر طبعاً، بل بالقيمة الفعلية له مقابل ضرورات الحياة المعيشية والخدمية، مع كل ما يعنيه ذلك من دفع باتجاه نبذ ما تبقى من عاملين في الجهات العامة، أو دفع المتبقين من هؤلاء نحو مسارب الفساد!
على ذلك، فإن مجانية التعليم التي يتم التغني بها رسمياً، وبرغم كل ما يعتريها من سوء وتردٍّ، وما تعانيه من تخفيض إنفاق على مستلزماتها، ومنافسة مع التعليم الخاص بمختلف تسمياته، مستمرة فقط بجهود المعلمين ونكرانهم لذاتهم، مقابل استمرارهم برسالتهم النبيلة، وليس بسبب السياسات والرعاية الحكومية!
بالمقابل، ربما تجدر الإشارة إلى من يحظى بالرعاية الحكومية، وبدعم السياسات من باب المقارنة ليس إلا، والمقصود طبعاً كبار أصحاب الأرباح!
فلا نبالغ إذا قلنا: إنه ربما ينفق أحد أصحاب الأرباح المدللين والمحظيين لدى الحكومة في «ليلة أنس» ما يعادل مجموع أجور مدرسي محافظة كاملة، في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن إعطاء المعلم أجراً شهرياً يقيه العوز والفاقة!
ماذا تفعل الـ 150 ألف ليرة؟!
إذا كان المعلم لا يدفع تكاليف المواصلات، فإن هذا المبلغ كأجرٍ شهري لا يكفيه ثمن حذاء واحد مع الجوارب، وإذا كان يدفع تكاليف المواصلات فمن المؤكد أنه لا يكفيه ثمن المواصلات، أما عن الطاقة المبذولة بالحُريرات، فقيمة هذه الحريرات مدفوعة من جيبه، وعلى حساب عمل آخر بعد الانصراف من المدرسة!
فهل هناك مهزلة ومأساة أكثر من أن يعمل أحد عملاً إضافياً بعد عمله ليغطي تكاليف ما يبذله من جهد في العمل الأول!؟
هذا هو حال الحكومة في تعاملها مع كل أصحاب الأجور، وخاصة شريحة المعلمين، الذين لا تنطبق عليهم إمكانية الدفع بهم نحو مسارب الفساد!
فلا إكرامية يمكن أن يضغط هؤلاء من أجل الحصول عليها، ولا رشوة يمكن أن تدفع لهم لقاء عملهم، مع علم الحكومة ووزارة التربية بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق هؤلاء، وضخامة الأعباء اليومية التي يقومون بها داخل الشعب الصفية، وخارجها في بيوتهم، من أجل عمليات التحضير والتصحيح وإعداد التقارير، وما إلى ذلك من مهام كبيرة!
هكذا تُكرم الحكومة المعلم في عيده، بأن تزيده كل عام فقراً وعوزاً ومهانة، بسياساتها الاقتصادية، والأجرية خاصة، عبر حرمانه من الحياة الكريمة، وعبر سلوكها الإداري بحرمانه من بقية الحقوق!
فهل من عيدٍ حقيقي للمعلم بظل الاستمرار بنفس هذه السياسات المجحفة؟!
بكل اختصار لا عيد ولا بهجة ولا فرح إلا بالتخلص من كل السياسات الظالمة!
عسى تحمل الأعياد القادمة الخير للمعلمين، ولكل العاملين بأجر، خلاصاً من هذه السياسات والقائمين عليها والمستفيدين منها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1115