تقرير أممي.. متوسط الأجر يغطي ربع الاحتياجات الغذائية فقط!
سمير علي سمير علي

تقرير أممي.. متوسط الأجر يغطي ربع الاحتياجات الغذائية فقط!

بحسب آخر تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي بتاريخ 14/3/2023 فإن: «متوسط الأجر الشهري في سورية يغطي حالياً حوالي ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط».

العبارة الواردة أعلاه، تعني: أن الأسرة لا تعاني من العجز على المستوى الغذائي فقط، بل العجز على مستوى كل بقية الاحتياجات الحياتية الضرورية الأخرى!
فمتوسط الأجر بالكاد قادر على تغطية الاحتياجات الغذائية فقط لمدة أسبوع، فكيف على مستوى بقية الاحتياجات الغذائية، والضرورات الأخرى لبقية أيام الشهر، وكيف ومن أين للأسرة إمكانية سد هذا العجز الكبير؟!
على الطرف المقابل، فإن العبارة أعلاه تبين أن جذر المشكلة يكمن في الأجور، ما يحمل المسؤولية للسياسات الظالمة والقائمين عليها، وإن بشكل غير مباشر!

الواقع أسوأ من البيانات الرقمية التوضيحية!

وردت في التقرير بعض الأرقام التوضيحية عن انعدام الأمن الغذائي، حيث ورد التالي:
يعاني حوالي 12,1 مليون شخص، أي أكثر من 50٪ من السكان، من انعدام الأمن الغذائي حالياً.
وهناك 2,9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.
تصنف الآن سورية، التي كانت تتمتع بالاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، مع الاعتماد الشديد على الواردات الغذائية.
الأرقام المليونية أعلاه غير مفاجئة وليست جديدة، بل هي معادة ومكررة في كل تقرير يصدر عن برنامج الغذاء العالمي، أو عن غيره من المنظمات الأممية المعنية، مع التزايد المطّرد فيها بين تقرير وآخر، مع العلم أن واقع الغالبية المفقرة من السوريين أسوأ بكثير من كل البيانات والأرقام، وعلى كافة المستويات وليس على مستوى ما وصل إليه هؤلاء من عوز غذائي وجوع فقط!
فالجوع يزداد ويتعمق يوماً بعد يوم، وينزلق إليه المزيد من السوريين المفقرين تباعاً، مع كل الكوارث المترتبة على ذلك، معيشياً وخدمياً، وصولاً إلى حدود التهديد في البقاء على قيد الحياة من عدمه!
ولعل إيراد سورية ضمن البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، ربطاً بالاعتماد على الواردات الغذائية بدلاً من الإنتاج المحلي منها، تتضمن إضافة على مستوى الإشارة غير المباشرة إلى السياسات المطبقة والمسؤوليات الحكومية بهذا الصدد أيضاً!

تفاصيل أكثر كارثية!

النتائج الكارثية لانعدام الأمن الغذائي والجوع واسعة ومتعددة الجوانب، وقد أتى التقرير على بعضها فقط!
فقد أورد التقرير ما يلي: «تظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال، وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة».
وفي التفاصيل الرقمية:
وصلت معدلات التقزم بين الأطفال إلى 28% في بعض أجزاء سورية.
وانتشر سوء التغذية لدى الأمهات ليصل إلى 25% في شمال شرق سورية.
النقاط أعلاه، هي غيض من فيض النتائج الكارثية للجوع على المستوى الصحي بالنسبة للأطفال والأمهات!
فعلى الرغم من النسب المرتفعة جداً أعلاه، فإن بقية النتائج الكارثية على المستوى الصحي لم تتم تغطيتها أو ذكرها في متن التقرير!
فالجوع وسوء التغذية يتم حصاد نتائجه السلبية على المستوى الصحي، اعتباراً من ضعف وقلة المناعة في مواجهة الأمراض، وضمناً عيوب النمو والتخلف العقلي للأطفال، وصولاً إلى احتمال الموت الذي يحصد الكبار والصغار، ذكوراً وإناثاً!

بعض نتائج سوء التغذية والجوع!

إن سوء التغذية أو الجوع، وبحسب بعض المواقع العلمية المتخصصة، يعني النقص الشديد في السعرات الحرارية والمواد الغذائية والفيتامينات اللازمة للحفاظ على الحياة!
ومن الأعراض المصاحبة للجوع يمكن ذكر التالي: فقر الدم- الإسهال المزمن- انكماش الأعضاء الحيوية (القلب- الرئتين- المبيضين أو الخصيتين..) وفقدان وظيفتها تدريجياً- فقدان القدرة على هضم الطعام لنقص إنتاج الأحماض المعدية- القصور المناعي- التهيج وصعوبة التركيز- التورم الناجم عن انحباس السوائل تحت الجلد- انخفاض درجة حرارة الجسم وزيادة الحساسية للبرد- تناقص الكتلة العضلية والضعف العام.
ويتسبب الجوع الكلي المفرط في وفاة البالغ بعد مرور 8-12 أسبوع، أما الأطفال فتتسبب المخمصة طويلة المدى والحادة إلى التخلف العقلي الدائم وعيوب النمو!
إن أعراض سوء التغذية والجوع الواردة أعلاه أصبحت واضحة كلياً أو جزئياً على الغالبية المفقرة من السوريين، وهي ليست بحاجة لأطباء مختصين لتبيانها، مع كل أسف!
على ذلك، فإن الأمر بنتائجه الكارثية ربما لن يقتصر على موضوع تقزم الأطفال بنسبته الكبيرة الواردة في التقرير الأممي أعلاه والبالغة 28% فقط، بل على مستوى زيادة معدلات التخلف العقلي بين هؤلاء أيضاً، وهي بيانات لم يسبق أن تم سبرها، لا من قبل الجهات المعنية رسمياً على المستوى المحلي، ولا من قبل المنظمات الدولية، بالرغم من رصد واقع الجوع وسوء التغذية وانعدامها!
والأهم، هي النتائج الكارثية المهددة للحياة نفسها مع استمرار سوء التغذية والجوع، وتزايد معدلاتها عاماً بعد آخر!

مسؤولية السياسات والنوايا المبيتة!

إن الحديث عن الأجور ربطاً مع الاحتياجات الغذائية وعجزها عن تأمينها، وصولاً إلى تزايد معدلات سوء التغذية والجوع، بالتوازي مع الحديث عن تراجع إنتاج الغذاء محلياً، وصولاً إلى الاعتماد على المستوردات الغذائية، يعتبر جزءاً من كل بما يتعلق بالسياسات الظالمة والمنحازة طبقياً، والتي أوصلتنا لما نحن فيه من بؤس وكوارث على كافة المستويات!
فسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي المعمم على المفقرين، وبظل الاستمرار بالسياسات نفسها، التي أفرزت وأنتجت الكوارث التي يعاني منها هؤلاء، قد يعني بكل بساطة توفر النية المسبقة مع الإصرار على تكريس هذه النتائج وتعميقها، وصولاً إلى تعميمها على الأجيال القادمة من السوريين، لتكون جائعة ومريضة ومتقزمة ومتخلفة عقلياً وأكثر عرضة للموت!
وبمطلق الأحوال، وبغض النظر عن النوايا، فإن الخلاص من كل السياسات الظالمة هو المقدمة التي لا بد منها للحد من الجوع على أقل تقدير، وصولاً إلى التغيير العميق والشامل الذي يضمن صحة وسلامة الأجيال القادمة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114