الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة.. هيكل حكومي جديد.. للخصخصة المبطنة أم للتفريط باسم الاستثمار!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة.. هيكل حكومي جديد.. للخصخصة المبطنة أم للتفريط باسم الاستثمار!

ناقش مجلس الوزراء خلال اجتماعه بتاريخ 18/3/2023 مشروع الصك التشريعي المتضمن إحداث «الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة»، بهدف «حماية وإدارة أملاك الدولة الخاصة بالشكل الأمثل، وصيانتها واستثمارها بما يحقق موارد ثابتة ودائمة للخزينة العامة للدولة».

والسؤال المطروح: ما هو مصير أملاك الدولة الخاصة بعد وضعها على قائمة الاستهداف الاستثماري وفقاً للنهج التفريطي لسياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة، تحت العنوان العريض أعلاه، ومن خلال الهيئة المزمع إحداثها؟
فقد اعتدنا أن الحديث الحكومي عن مشاريع الاستثمار وتأمين الموارد، بغض النظر عن العنوان الذي تصدر به، والمبررات المساقة لها، يعني فيما يعنيه تمريرَ مصالح كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير، على حساب بقية الشرائح الاجتماعية، والمفقرين خاصة، كما على حساب المصلحة الوطنية، خصخصة معلنة ومبطنة، أو تفريطاً وتخلٍّ عن الحقوق والواجبات، توافقاً مع سياسات اللبرلة المعتمدة، وتنفيذاً لها.
فكل ما صدر من قوانين وتشريعات خلال العقود والسنين الماضية، وكل ما تعمل عليه الحكومة على المستوى التنفيذي، هو تأمين مصالح هذه الشريحة على طول الخط!

أسئلة مشروعة تطرح نفسها!

مشروع الصك التشريعي المزمع، بعنوانه ومضمونه أعلاه، يطرح الكثير من الأسئلة المشروعة، ومنها على سبيل المثال:
هل أملاك الدولة الخاصة بواقعها الراهن ليست مدارة ومحمية كما يجب؟
وهل هذه الأملاك لم تكن مستثمرة بما يحقق الموارد لخزينة الدولة؟
وبحال كان الأمر كذلك، فبمسؤولية وعهدة مَن؟
ولماذا لم تتم المحاسبة على سوء الإدارة وقلة الحماية وسوء الاستثمار لها؟!
وهل إنجاز مهمة الحماية وحسن الاستثمار لهذه الأملاك يتطلب إحداث هيكل حكومي جديد؟
أم أن الهيكل الحكومي الجديد سيكون الغطاء والبوابة لشرعنة الخصخصة المباشرة وغير المباشرة لهذه الأملاك، أم للتفريط بها، تحت عناوين الاستثمار والموارد؟!
إن الأسئلة أعلاه، وغيرها الكثير، ستبقى دون إجابة من كل بد!
فلم يسبق للحكومات المتعاقبة أن طرحت على نفسها مثل هذه الأسئلة، كما لم يسبق لها أن قامت بأية مراجعة جدية لنتائج أعمالها، فكيف بإجراءات المحاسبة على هذه النتائج!

ما هي أملاك الدولة الخاصة؟

تجدر الإشارة إلى أن ما يقصد بأملاك الدولة الخاصة قد وضحه القانون رقم 252 لعام 1959، والذي عرّف أملاك الدولة الخاصة بأنها: «العقارات المبنية وغير المبنية، والحقوق العينية غير المنقولة، التي تخص الدولة بصفتها شخصاً اعتبارياً بموجب القوانين والقرارات النافذة، سواء أكانت تحت تصرفها الفعلي أم تحت تصرف أشخاص آخرين».
وتشتمل أملاك الدولة الخاصة على ما يلي:
الأراضي الأميرية (التي تكون رقبتها للدولة).
العقارات المسجلة في السجلات العقارية أو دفاتر التمليك باسم الدولة.
والعقارات المقيدة في سجلات دائرة أملاك الدولة.
العقارات المتروكة المرفقة، وهي التي يكون لجماعة ما حق استعمال عليها.
الأملاك العامة التي زالت عنها صفة المنفعة العامة.
العقارات المحلولة، والتي تنشأ عن تركات لا وارث لها، أو لها وارث لا تنطبق عليه قوانين التملك، أو الناشئة عن إهمال استعمال الأراضي الأميرية خمس سنوات.
العقارات التي تشتريها الدولة.
الأراضي الموات والخالية.
الجزر والأراضي التي تتكون بصورة طبيعية في المياه العامة.
الجبال والحراج والغابات والمقالع والمرامل غير المسجلة باسم الأفراد.
العقارات التي تؤول للدولة بحكم القوانين النافذة.
جميع العقارات والأراضي التي لم يثبت ملكية أو تصرف الأفراد لها بسبب صحيح تجيزه القوانين النافذة قبل صدور هذا القانون.

مروحة واسعة مدارة ومستثمرة ومحمية!

من الواضح، أن أملاك الدولة الخاصة، التي يجري الحديث عنها حكومياً، والمزمع إحداث هيكل حكومي جديد من أجلها، هي مروحة واسعة وكبيرة من الأملاك كما هو مبين أعلاه، وهي لا شك تعتبر فرصاً استثمارية يسيل لها لعاب كبار أصحاب الأرباح.
في المقابل، تجدر الإشارة إلى أن كل هذه الأملاك بعهدة ومسؤولية الكثير من الوزارات والجهات الحكومية والرسمية، وهي بإدارتها على مستوى حسن الاستثمار والريع والموارد افتراضاً.
أما على مستوى الحماية، فهناك الكثير من القوانين والتشريعات التي تضمن تأمين حماية الممتلكات العامة، بما في ذلك أملاك الدولة الخاصة، اعتباراً من القانون المدني وقانون العقوبات، وليس انتهاءً بقانون الأملاك العامة البحرية، وقانون الحراج.

ما الجديد؟!

بناء على ما سبق، يتبين أنه لا جديد يمكن إيراده على مستوى الإدارة والاستثمار والموارد والحماية كتبرير حكومي، فأملاك الدولة الخاصة مدارة من قبل الجهات الحكومية وبعهدتها ومسؤولياتها، ويتم استثمار ما يمكن استثماره منها لتحقيق الموارد، مع تأمين حصة الخزينة العامة منها، وهي كذلك محمية بالكثير من النصوص القانونية!
ولعل الجديد المساق يمكن تبويبه بشقين:
الشق الأول: هو إحداث هيكل إداري حكومي جديد يضاف إلى ما هو قائم من هياكل إدارية!
والشق الثاني: يتثمل بمركزة أملاك الدولة الخاصة (إدارة واستثماراً وعائداً وحمايةً) بيد الهيئة المزمع إحداثها بالاسم أعلاه!
وعلى اعتبار أن المهام التي ستوكل لهذا الهيكل (الإدارة- الاستثمار- الموارد-الحماية) هي مهام موكلة وبعهدة الكثير من الجهات الحكومية مسبقاً، فإن ذلك يعني زيادة وتضخيم الهياكل الحكومية فقط لا غير، إلا إذا تم منح الهيئة المحدثة المزيد من الصلاحيات على مستوى عناوين المهام السابقة، وخاصة (الاستثمار- الحماية)، وهو المطلوب على ما يبدو!
وبانتظار المزيد من تفاصيل الصك التشريعي ستكون لنا وقفة أخرى من كل بد!

التجارب المريرة في إدارة واستثمار الأملاك العامة!

إن مشروع الصك التشريعي الذي جرى النقاش حوله حكومياً، وفقاً لما ورد أعلاه، يذكرنا بالمرسوم 19 لعام 2015، الذي أجاز إحداث شركات سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة، بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدة الإدارية أو جزء منها، وتملك الوحدة الإدارية المذكورة جميع أسهمها، وللشركة القابضة المحدثة بموجبه تأسيس أو المساهمة في شركات أموال تابعة أو مساهم بها وإدارتها!
ولعل إدارة واستثمار مشاريع (ماروتا وباسيليا) وأشباهها على مستوى محافظة دمشق كأمثلة تنفيذية عن أعمال شركة دمشق الشام القابضة المحدثة بموجب المرسوم 19 لعام 2015 تعتبر دليلاً ملموساً عن مآلات استثمار هذه المشاريع، على حساب مَن، ولمصلحة مَن بالنتيجة!
فهل سيكون مصير ومآل أملاك الدولة الخاصة بموجب مشروع الصك المزمع، أفضل من مصير ومآل أملاك محافظة دمشق؟!
فإذا كان من نتائج المرسوم 19 لعام 2015 نقل ملكيات الوحدات الإدارية إلى الشركات القابضة المحدثة بموجبه، والبدء باستثمارها كشكل غير مباشر للخصخصة، فإن الصك التشريعي المزمع يتناول كل أملاك الدولة الخاصة الواردة أعلاه!
فعبارة «حماية وإدارة أملاك الدولة» ربطاً مع عبارة «واستثمارها بما يحقق موارد ثابتة ودائمة للخزينة العامة للدولة»، ووفقاً للنهج الحكومي التفريطي المعمول به، تعني أن الحكومة ماضية بسياسات الخصخصة، المباشرة وغير المباشرة، تحت عناوين الاستثمار وبذريعة الموارد، وبما يضمن المزيد من المصالح لكبار أصحاب الأرباح طبعاً، وهذه المرة على حساب كل أملاك الدولة الخاصة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114